حول القانون رقم (25) سنة 1929
مما لا شك فيه أن القانون رقم (25) سنة 1929
قد اشتمل معظمه على أشد ما يكون الإنسان في احتياج إليه في الوقت الحاضر خصوصًا أحوال المفقود الواردة بالمادتين (21) و(22) من القانون المذكور
غير أن هناك شبهة وملاحظة نشأت مع القانون المذكور إذ أنه بحسب ما يظهر نجد أن حكم هاتين المادتين لا ينطبق على جميع أفراد المفقود وحوادثه الموجودة في الخارج،
إذ نصت المادة (21) المذكورة على أن إثبات وفاة المفقود لفقده وغيبته إنما يكون بطريق الحكم لا بطريق تحقيق الوفاة بالتحريات الإدارية،
ومعلوم أن دعوى الوراثة لا تسمع إلا ضمن دعوى مال كما أن الخصم هنا (المدعى عليه) هو واضع اليد ومعظم الغائبين مشمولون بالوكالة عنهم من قبل المجالس الحسبية، وفي الغالب يكون الوكلاء من أقرب الناس إليه ومن ضمن ورثته وكثيرًا ما يكون هو الوارث الوحيد له وهو الواضع يده على جميع مال الغائب بمقتضى الوكالة.
فإذا كان طريق إثبات وفاة الغائب لغيابه المدة المقررة بالقانون المذكور بنوعيها منحصرة في الحكم بالوفاة المترتب على الدعوى التي تستلزم مدعيًا ومدعى عليه مع ملاحظة ما سبق فمن الذي يرفع الدعوى إذًا في مثل هذه الحادثة ؟ أهو الوكيل الذي لا تسمع الدعوى منه إذ هو الواضع يده على جميع مال الغائب، أم غيره ممن ليس بوارث ولا تجمعه بالغائب ولا بالوكيل رابطة: على أنه لا يتأتى هناك خصم ترفع الدعوى عليه ما دام الوكيل واضعًا يده على جميع ماله، مع أن الوكيل يهمه إثبات وفاة الغائب وفي حاجة إليه وفي تأخيره عن ذلك ضرر يلحقه حال حياته بمطالبة المجالس الحسبية إياه بحساب الغائب كما يلحق ورثته من بعده إذ من الجائز المحقق الوقوع بعد وفاة الوكيل المذكور أن يكون وارثه غير وارث الغائب الآن أعني بعد وفاة الوكيل وإن كان لو أثبتت وفاة الغائب حال حياة الوكيل يكون الميراث لهذا الوكيل وذلك كما إذا كان الوكيل أخًا شقيقًا للغائب مع وجود أخيه لأبيه فإذا تأخر الوكيل عن رفع الدعوى لإثبات وفاة الغائب حتى مات وترك أولاده الذكور مثلاً بحيث يكون الأخ لأب ليس من ضمن ورثته فإن وارث الغائب الآن هو الأخ لأب بعد أن كان الأخ الشقيق فقد لحق ورثة الوكيل الضرر كما لحق والدهم من قبل، وصار الوارث محرومًا وأصبح غير الوارث وارثًا، وفي ذلك مدعاة لتضارب الآراء واتخاذ الناس في دعاويهم طريق التحايل التي كثيرًا ما يتألم لها الضمير والتي قد لا تنطلي على حضرات القضاة، فقد رأيت أن أحد الوكلاء رفع الدعوى بإحدى المحاكم بطلب إثبات وفاة الغائب الذي انحصر ميراثه فيه وادعى أن الغائب من مدة عشرين سنة أقرض المدعى عليه مبلغ 50 قرشًا ورسم الدعوى 3 جنيه و720 مليمًا فما كان من المحكمة إلا أن رفضت الدعوى لظهور التحايل.
وهذا ناشئ من عدم اهتداء الناس إلى الطرق القيمة في دعاويهم التي من هذا القبيل، فإذا اتضح على ما يظهر أن حكم المادة (21) من القانون المذكور لا ينطبق على مثل هذه الحادثة كثيرة الوقوع فإذًا الضرورة تقضي بأنه لا مانع من أن يكتفي في مثل هذه الحادثة أو في أحوال المفقود عمومًا بتحقيق وفاته من طريق التحريات الإدارية بدلاً عن الدعوى لأن طرق الإثبات في كل منهما التحريات والشهود وإن كلاً منهما صادر على يد القاضي الشرعي وربما كان تعرف أحوال الغائب الذي هو الركن الأهم في وفاته للغيبة أبلغ في التحريات الإدارية منه في الدعوى وعلى الطالب أن يبين في طلبه الجهة التي توجه إليها.
هذا ما نريد أن ننشره على صفحات المجلة راجين من حضرات القضاة وإخواننا المحامين أن يمدونا بآرائهم نحو ذلك.