مجلة المحاماة - العدد الأول والثاني
السنة الثالثة والثلاثونسنة1953
بحث انقضاء الدعوى الجنائية بمضي المدة
لحضرة الأستاذ راغب حنا المحامي
نصوص قانون الإجراءات الجنائية:
صدر قانون الإجراءات الجنائية في 3 من سبتمبر سنة 1950 - بعد أن استكمل أدواره التشريعية بموافقة مجلسي البرلمان وتصديق الملك عليه - غير أنه لم يُنشر بالجريدة الرسمية إلا في 15 من أكتوبر سنة 1951 بعد صدوره بأكثر من سنة [(1)] وقد تضمن قانون إصداره نصًا على أن يعمل به بعد ثلاثين يومًا من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية.
وقد نصت المادة (15) من القانون على أن الدعوى الجنائية في مواد الجنايات تنقضي بمضي عشر سنين من يوم وقوع الجريمة، وفي مواد الجنح بمضي ثلاثة سنين، وفي مواد المخالفات بمضي سنة.
ونصت المادة (17) على أن المدة تنقطع بإجراءات الاتهام أو التحقيق أو المحاكمة، وتسري المدة من جدي ابتداءً من يوم الانقطاع، وإذا تعددت الإجراءات التي تقطع المدة فإن سريان المدة يبدأ من تاريخ آخر إجراء.
وهذه النصوص تتفق مع أحكام قانون تحقيق الجنايات ومع القواعد القانونية العامة سواء في القانون الجنائي أم في القانون المدني.
غير أن المادة (17) أتت في الفقرة الأخيرة بحكم جديد لم يكن موجودًا في قانون تحقيق الجنايات وهو أنه (لا يجوز في أية حال أن تطول المدة المقررة لانقضاء الدعوى الجنائية بسبب الانقطاع لأكثر من نصفها).
وبناءً على هذا النص المستحدث - والذي لا مثيل له في أي قانون من القوانين الجنائية أو المدنية في العالم – أصبحت الجناية تسقط بمضي 15 سنة من تاريخ وقوعها، والجنحة تسقط بمضي أربع سنوات ونصف، والمخالفة تسقط بمضي سنة ونصف، وذلك بالرغم من قيام إجراءات الاتهام والتحقيق وقيام إجراءات المحاكمة نفسها !!
ولما كان هناك – وقت صدور القانون - كثير من قضايا الجنح معروضًا على المحاكم وقد مضى على تاريخ وقوعها أكثر من أربع سنوات ونصف، فقد تنبيه المشرع - بعد صدور القانون - إلى أن تطبيق الفقرة الأخيرة من المادة (17) عليها يقتضي الحكم فيها جميعًا بانقضاء الدعوى العمومية وبراءة المتهمين، وبذلك يكون القانون الجديد في هذا الشأن بمثابة عفو شامل عن مرتكبي جميع الجنح المنظورة أمام المحاكم التي مضت عليها تلك المدة - أيًا كان نوعها وأية كانت المراحل التي قطعتها تلك الدعاوى!!
وغني عن البيان أن المشرع لم يقصد هذه النتيجة مطلقًا، بل هو لم يفطن إليها عند وضع تلك الفقرة قطعًا...
القانون رقم (178) لسنة 1951:
وعلاجًا لهذه الحالة وضع المشرع القانون رقم (178) لسنة 1951 الذي صدر ونشر في 17 من أكتوبر سنة 1951 – بعد نشر قانون الإجراءات الجنائية بيومين اثنين وقبل حلول ميعاد العمل به بثمانٍ وعشرين يومًا - وقد عدل هذا القانون المادة (17) من قانون الإجراءات الجنائية بالنص على أن (لا تبدأ المدة المشار إليها في المادة (17) بالنسبة للجرائم التي وقعت قبل تاريخ العمل به إلا من هذا التاريخ).
وجاء في المذكرة التفسيرية لهذا القانون أن سقوط الدعاوى التي مضت عليها المدة المنصوص عليها في المادة (17) لم يتعلق به مراد أحد، لأن المشرع لم يقصد أن يكون تطبيق هذا القانون بمثابة عفو شامل ينسحب على القضايا الموجودة أمام المحاكم.
رأي محكمة النقض:
ولكن محكمة النقض قررت بحكمها الصادر بتاريخ 7 من فبراير سنة 1952 في القضية رقم (1386) سنة 20 ق المنشور بهذا العدد، وبعدة أحكام أخرى مماثلة، أن الفقرة الأخيرة من المادة (17) من قانون الإجراءات الجنائية الذي صدر في 3 من سبتمبر سنة 1950 ونشر في 15 من أكتوبر سنة 1951 هي وحدها الواجبة التطبيق باعتبارها القانون الأصلح للمتهم، وفقًا للمادة الخامسة فقرة ثانية من قانون العقوبات التي تنص على أنه (إذا صدر بعد وقوع الفعل وقبل الفصل فيها نهائيًا قانون أصلح للمتهم فهو الذي يتبع دون غيره).
وقالت المحكمة إن المشرع عنى بالنص في هذه الفقرة من المادة على (صدور القانون) خلافًا لعبيره في الفقرة الأولى بعبارة (العمل بالقانون)، واستخلصت من هذه التفرقة أن المتهم يفيد من القانون الأصلح بمجرد (صدوره(دون التقيد بتاريخ العمل به..
ولما كان قانون الإجراءات الجنائية قد (صدر) في 3 من سبتمبر سنة 1950 ونشر في 15 من أكتوبر سنة 1951 فقد قررت محكمة النقض أن من حق المتهم أن يفيد من حكم الفقرة الأخيرة من المادة (17) متى كانت مدة الأربع سنوات ونصف قد انقضت في 15 من أكتوبر سنة 1951، كما قررت أن التعديل الوارد بالقانون رقم (178) لسنة 1951 الذي صدر في 17 من أكتوبر سنة 1951 - قبل حلو ميعاد العمل بقانون الإجراءات الجنائية الجديد - لا يمكن أن يكون له تأثير على الواقعة ما دامت الدعوى الجنائية كانت قد سقطت فعلاً في 15 من أكتوبر سنة 1951.
وقالت محكمة النقض إنه لا يعتد في هذا المقام بما جاء في المذكرة الإيضاحية للقانون رقم (178) لسنة 1951 من أن سقوط الدعاوى التي مضت عليها المدة المنصوص عليها في المادة (17) (لم يتعلق به مراد أحد) - ذلك بأنه لا هذا القانون ولا مذكرته التفسيرية يمكن أن يجعل الواقعة معاقبًا عليها إذا كانت قد أصبحت بموجب قانون الإجراءات الجنائية غير معاقب عليها.
انعدام المصلحة في تحديد مدة الانقطاع:
على أن الذي يهمنا إبرازه في هذه المناسبة هو أن الفقرة الأخيرة من المادة (17) لم يكن لها أي مبرر مطلقًا، سواء من الناحية النظرية أم من الناحية العملية.
وآية ذلك أن الحكم الذي استحدثته هذه الفقرة ليس له مثيل في أي قانون من قوانين العالم، والرأي السائد في فرنسا أن المدة يمكن أن تنقطع وتتجدد إلى ما لا نهاية [(2)] وهذا هو ما يتفق مع أحكام انقطاع المدة بوجه عام.
ولئن قيل إن أساس التقادم الجنائي يختلف عن أساس التقادم المدني، أو أن بعض الشراح في فرنسا قد رأوا أن المدة لا يمكن أن تنقطع إلا مرة واحدة بحيث إن المدة التي تبتدئ بعد ذلك لا يمكن انقطاعها ويجب أن يصدر الحكم في غضونها وإلا سقطت الدعوى، فإن هذا وذاك لم يكونا ليبررا ذلك النص الجديد العجيب بحال من الأحوال.
ذلك أن أساس التقادم الجنائي أمران:
الأول: افتراض نسيان الجريمة بسبب مضي مدة طويلة دون اتخاذ إجراءات فيها، وبنسيانها تتلاشى الحاجة إلى العبرة والموعظة فيسقط بذلك أحد ركني حق العقاب.
الثاني: أن مرور الزمن يجعل إثبات الجريمة أو نفيها متعذرًا إما لموت الشهود أو لنسيانهم الواقعة أو لضياع معالم الجريمة.
ومقتضى الأمر الأول أن اتخاذ إجراءات التحقيق والاتهام والمحاكمة يقطع المدة ويمنع سقوط الدعوى لأنه يعيد الجريمة إلى الأذهان ويلزم إذن مدة جديدة لنسيانها [(3)]، وقد تكفلت الفقرة الأولى من المادة (17) بالنص على هذا الحكم السليم، وكان ذلك يقتضي أن تتجدد المدة من تاريخ آخر إجراء دون أي قيد جديد.
أما تعذر إثبات الجريمة أو نفيها بمرور الزمن فلا يبرر مخالفة المبدأ المذكور، إذ للمحاكم الجنائية من سلطة التقدير ما يكفي لمواجهة ذلك الاحتمال ومن المبادئ المقررة أن القاضي الجنائي له سلطة واسعة في تقدير الأدلة ويكفي ألا يطمئن إلى سلامة الدليل ليقضي بالبراءة دون معقب عليه في هذا التقدير.
وأما ما يراه بعض الشراح في فرنسا من عدم انقطاع المدة إلا مرة واحدة فإنه - فضلاً عن افتقاره إلى السند القانوني ومخالفته للرأي الراجح في فرنسا - لا يصلح سندًا للقيد الذي جاء بالفقرة الأخيرة من المادة (17) والتحكم في تجديد المدة بعد الانقطاع وتحديد نصف مدة التقادم كحد أقصى لامتداد المدة المقررة لانقضاء الدعوى الجنائية بسبب الانقطاع - دون مراعاة لظروفنا الخاصة.
ذلك أن قضايا الجنح كثيرًا ما تؤجل عدة سنوات بسبب كثرة عدد القضايا في المحاكم كثرة يستحيل معها على القضاة الفصل فيها بالسرعة التي يتطلبها التشريع الجديد، مهما أوتى القضاة من كفاءة ومهما بذلوا من جهد.
فمن المألوف في المحاكم الجزئية أن يبلغ عدد الجنح في الجلسة الواحدة أكثر من مائة قضية وأحيانًا مائتي قضية، فإذا قدرنا ما تستلزمه القضية من وقت في المتوسط ثلاث دقائق فقط للنداء على المتهمين والشهود وإثبات حضور من يحضر منهم ومن يتخلف عن الحضور ومن يحضر من محامين مع المتهمين والمدعين بالحقوق المدنية والمسؤولين عن تلك الحقوق، وإثبات طلباتهم، تبين أن القاضي في حاجة إلى زمن يتراوح بين خمس ساعات وعشرة ساعات لعملية (الجرد) فقط!!
فإذا لوحظ أن سؤال المتهمين وسماع الشهود بعد تحليفهم اليمين ومناقشتهم ثم مرافعة المحامين وإصدار الأحكام يستغرق بداهة أضعاف ذلك الزمن، تبين استحالة الفصل في ربع ذلك العدد من القضايا استحالة مادية مطلقة، وطالما ارتفعت شكوى القضاة والمحامين والمتقاضين من هذه الحال التي لا علاج لها إلا مضاعفة عدد القضاة - وهو ما تقف الميزانية دائمًا لسوء الحظ عقبه في سبيله.
ومن المشاهد: فوق ذلك - أنه كثيرًا ما تؤجل القضايا لمدد طويلة لأسباب قهرية كمرض المتهم أو عدم إحضاره من السجن أو عدم صحة إعلانه أو إعلان الشهود - بسبب تغير محال قامتهم مثلاً - كما أن كثيرًا من قضايا التبديد والنصب والتزوير ما يستلزم الفصل فيها ندب خبراء حسابيين أو خبراء خطوط، وغالبًا ما تقدم تقارير استشارية مضادة فتندب المحكمة خبراء مرجحين، وقد تتكرر هذه الإجراءات فتتكرر التأجيلات لنفس الأسباب أو لغيرها أمام محكمة ثاني درجة أفتعمر القضايا بين جدران المحاكم عدة سنوات!!
فإذا أضيف إلى هذا وذاك كثرة القضايا أمام محكمة النقض نفسها كثرة أرهقت حضرات مستشاريها واستلزمت تحديد جلسات بعيدة لنظر القضايا، وغالبًا ما تكون بعد انقضاء المدة المحددة بالفقرة الأخيرة من المادة (17) فيحكم بانقضاء الدعوى العمومية وببراءة المتهمين بعد كل ما بذل فيها من جهد ووقت ونفقات...
وهنا يحق لنا التساؤل: لمصلحة من شرع هذا السقوط؟ هل لمصلحة المتهم المماطل الذي يتمارض أو يغير محل إقامته - عمدًا أو عفوًا - أو يغيب ثم يعارض ثم يستأنف فيتغيب ثم يعارض ثم يرفع طعنًا بطريق النقض حتى تنقضي المدة القانونية فيفلت من العقاب !!!
أم قصد بهذا النص الجديد حفز القضاة على سرعة الفصل في القضايا، والله يعلم أنه لا ينقصهم الحافز ولكن يعوزهم الوقت وترهقهم كثرة القضايا إرهاقًا لا قبل لبشر باحتماله...
لقد كان من المتعين إصلاح هذه الحال قبل التفكير في استحداث هذا المبدأ الخطير الذي لن يفيد منه إلا المجرمون المماطلون على حساب ضحاياهم وعلى حساب المصلحة العامة، أما والحال على ما وصفنا فلا يكفي التعديل الذي جاء به القانون رقم (178) لسنة 1951 بالنسبة للجرائم التي وقعت قبل تاريخ العمل بقانون الإجراءات الجنائية، حيث سيظل الحرج قائمًا بالنسبة للجرائم التي وقعت وتقع بعد تاريخ العمل بالقانون، ومن الخير أن تلغى الفقرة الأخيرة من المادة (17) فتستقيم الأوضاع ولا يفلت المجرمون من العقاب. بحث
انقضاء الدعوى الجنائية بمضي المدة لحضرة الأستاذ راغب حنا المحامي
(2)انقطاع المدة المقررة لانقضاء الدعوى الجنائية:
تكلمنا في العدد السابق من المجلة عن نصوص قانون الإجراءات الجنائية فيما يتعلق بانقضاء الدعوى الجنائية بمضي المدة، وانقطاع المدة بإجراءات الاتهام أو التحقيق أو المحاكمة، والحكم الذي استحدثه القانون بالفقرة الأخيرة من المادة (17) بالنص على أنه لا يجوز في أية حال أن تطول المدة المقررة لانقضاء الدعوى الجنائية بسبب الانقطاع لأكثر من نصفها ! وقلنا إن الشارع لم يلبث أن تنبه إلى النتائج الخطيرة التي تترتب على تطبيق هذه الفقرة بسقوط جميع القضايا الجنائية المنظورة أمام المحاكم - في أية درجة من درجات التقاضي - إذا كان قد انقضى من يوم وقوع الجريمة خمس عشرة سنة في الجنايات وأربع سنوات ونصف في الجنح وسنة ونصف في المخالفات، فبادر بتاريخ 17 من أكتوبر سنة 1951 – ولما يمضِ على نشر القانون غير يومين اثنين - بتعديل المادة المذكورة تعديلاً من شأنه ألا تبدأ المدة المشار إليها في تلك المادة بالنسبة للجرائم التي وقعت قبل تاريخ العمل بالقانون إلا من هذا التاريخ [(4)].
ونشرنا بنفس العدد حكم محكمة النقض الجنائية الذي قررت فيه وجوب الحكم بانقضاء الدعوى الجنائية في قضايا الجنح إذا كانت مدة الأربع سنوات ونصف قد انقضت في 15 من أكتوبر سنة 1951 – تاريخ نشر قانون الإجراءات الجنائية - باعتباره قانونًا أصلح للمتهم، وذلك بالرغم من تعديل المادة (17) بالقانون رقم (178) سنة 1951 الذي صدر قبل تاريخ العمل بقانون الإجراءات على الوجه سالف الذكر [(5)].
تصريح وزارة العدل بوجوب إلغاء الفقرة الأخيرة من المادة (17):
وتأييدًا لما اقترحناه من وجوب إلغاء الفقرة الأخيرة من المادة (17) إلغاء تامًا، نورد تصريحًا لوزارة العدل تضمنته المذكرة التفسيرية التي قدمت بها الوزارة إلى البرلمان القانون رقم (178) لسنة 1951 بتعديل المادة المذكورة، جاء به ما يأتي:
(نص القانون بالفقرة الأخيرة للمادة (17) من قانون الإجراءات الجنائية على أنه لا يجوز في أية حال أن تطول المدة المقررة لانقضاء الدعوى الجنائية بسبب الانقطاع لأكثر من نصفها، ومؤدي هذا النص الذي استحدثه القانون أن الدعوى الجنائية تسقط حتمًا مهما اتخذ فيها من إجراءات قاطعة ولو كانت متداولة بالجلسات، إذا مضى من تاريخ تمام الجريمة خمس عشرة سنة في الجنايات وأربع سنوات ونصف في الجنح وسنة ونصف في المخالفات، ولما كانت القوانين المتعلقة بالتقادم من القوانين الموضوعية التي ينعطف حكمها على الماضي إذا كانت أصلح للمتهم، عملاً بالمادة الخامسة من قانون العقوبات، فإنه يترتب على مجرد العمل بقانون الإجراءات وجوب الحكم بانقضاء الدعوى الجنائية في قضايا الجنح والمخالفات المتداولة الآن أمام المحاكم وبخاصة قضايا الجنح المتداولة أمام محكمة النقض، وهذه النتيجة لم يتعلق بها مراد أحد، لأن المشرع لم يقصد أن يكون تطبيق القانون الجديد بمثابة عفو شامل ينسحب على القضايا الموجودة أمام المحاكم بغض النظر عن النوع والعدد، يستفيد منه المتهمون في قضايا السرقة والنصب وخيانة الأمانة والتزوير بمجرد أن يكون قد مضى من تاريخ ارتكاب الحادث أربع سنوات ونصف، والظاهر أن الشارع قد سها عن مواجهة هذا الموقف في قانون الإصدار فلم يعالج أمر القضايا المتداولة فعلاً أمام المحاكم بما يجنب العدالة هذه النتيجة غير المقبولة، ومن أجل هذا رئُى العمل على تفادي مفاجأة المحاكم بتطبيق حكم هذه الفقرة على القضايا المتداولة أمام النيابة والقضاء وذلك بالنص على أنه لا يعمل بالفقرة الأخيرة من المادة (17) إلا اعتبارًا من تاريخ العمل بهذا القانون، وعلى ذلك تحسب أقصى مدة للانقطاع لا من تاريخ الجريمة وإنما من تاريخ العمل بهذا القانون وذلك فيما يتعلق بالجرائم التي وقعت قبل العمل به.
وبعد هذه الأسباب التي أوردتها الوزارة في مذكرتها التفسيرية تبريرًا لتعديل الفقرة الأخيرة من المادة (17)، استطردت إلى ذكر أسباب تؤدي إلى وجوب إلغاء هذه الفقرة إلغاءً تامًا حيث قالت:
(على أن القيد الذي جاء في نص الفقرة الأخيرة من المادة (17) لا مبرر له في الواقع وقد كان محل شكوى في تطبيق قانون تحقيق الجنايات المختلط [(6)] إذ يغري المتهمين بالتماس أسباب المطل والتأجيل وتأخير الفصل في الدعوى وسلوك كل سبل الطعن فيها - ولو بغير مبرر - أملاً في أن ينتهي ذلك بفوات المدة التي تنقضي بها الدعوى الجنائية).
ومن ذلك يبين أن وزارة العدل لم تكتفِ - في الواقع - باقتراح تعديل الفقرة الأخيرة من المادة (17) لمعالجة أمر القضايا المتداولة أمام المحاكم بما يجنب العدالة نتائج تطبيق القانون – (تلك النتائج غير المقبولة) – على حد تعبير الوزارة !! ولم تكتفِ بالإقرار أن الشارع (سها عن موجهة هذا الموقف !! بل صرحت الوزارة بأن القيد الذي جاء في نص الفقرة الأخيرة من المادة (17) هو قيد (لا مبرر له في الواقع).
وهذا تصريح خطير كان مقتضاه إلغاء تلك الفقرة إلغاءً تامًا، أما تعديلها على النحو الذي صدر به القانون رقم (178) لسنة 1951 فإنه إذا كان من شأنه معالجة أمر القضايا المتداولة أمام المحاكم بإطالة مدة الانقطاع بالنسبة للجرائم التي وقعت قبل تاريخ العمل بقانون الإجراءات الجنائية، فإنه لا يصلح علاجًا للحالات التي تكون المدة القانونية فيها قد انقضت في 15 من أكتوبر سنة 1951 - وفقًا لرأي محكمة النقض - كما لا يصلح علاجًا للحالات التي وقعت وتقع الجرائم فيها بعد تاريخ العمل بالقانون......
المصلحة العامة تقتضي المبادرة بإلغاء الفقرة الأخيرة من المادة (17):
وغني عن البيان أن الأضرار التي تترتب على تطبيق هذه الفقرة ستبقى ما بقيت هذه الفقرة، ولذلك نلفت نظر وزارة العدل إلى أن المصلحة العامة تقتضي المبادرة بإلغاء الفقرة الأخيرة من المادة (17) من قانون الإجراءات الجنائية - تلك الفقرة الدخيلة البغيضة التي تتعارض مع المبادئ القانونية المقررة في التشريعات المدنية والجنائية على السواء، والتي يؤدي تطبيقها إلى نتائج غير مقبولة، والتي لا مبرر لها في الواقع، والتي تغري المتهمين بالتماس أسباب المطل والتأجيل وتأخير الفصل في الدعوى وسلوك كل سبل الطعن فيها - ولو بغير مبرر - أملاً في أن ينتهي ذلك بفوات المدة التي تنقضي بها الدعوى الجنائية، كما قالت - بحق – الوزارة في المذكرة التفسيرية للقانون رقم (178) لسنة 1951 - لاسيما أنه لن يفيد من بقاء هذه الفقرة إلا المتهمين المماطلين الذين يجدون فيها ثغرة للإفلات من العقاب، وهو ما يتجافى مع القانون والعدالة مجافاته للمنطق و المصلحة العامة. [(1)] ويرجع تأخير نشر القانون طوال هذه المدة إلى أن الحكومة لم تستطع توفير العدد الكافي من قضاة التحقيق وفقًا للنظام الذي استحدثه القانون إلا بعد أن اضطرت إلى تعديل قانون نظام القضاء بخفض الحد الأدنى لسن القاضي، وبعد الحصول على الاعتمادات اللازمة، فكانت هذه أول مرة في تاريخ التشريع المصري يتأخر فيها نشر قانون استكمل أدواره التشريعية مثل هذه المدة الطويلة.
[(2)] كتاب المبادئ الأساسية للإجراءات الجنائية للأستاذ الكبير علي زكي العرابي جزء (1) ص (158) ن (332).
[(3)] المرجع السابق ص (153) ن (319) وشرح قانون الإجراءات الجنائية للأستاذ عدلي عبد الباقي المحامي.[(4)] المحاماة السنة الثالثة والثلاثون العدد الأول ص 140.
[(5)] 7 فبراير سنة 1952 المحاماة السنة الثالثة والثلاثون ص (39) رقم (36).
[(6)] لم يكن لهذه الفقرة نظير في قانون تحقيق الجنايات الأهلي ولا في قانون تحقيق الجنايات المختلط القديم، ولكنها استحدثت بالمادة (27) من قانون تحقيق الجنايات المختلط الذي وضع في سنة 1937، ويظهر أن الشارع نقلها عنه إلى قانون الإجراءات الجنائية الجديد دون مراعاة للنتائج الخطيرة التي تترتب على تطبيقها ودون نظر إلى أنها كانت مثار شكوى عند تطبيق قانون تحقيق الجنايات المختلط.