| تاريخ المساهمة 24.11.11 13:46 | |
علامات الأولياء في الظاهر
قال له قائل: جميع ما وصفت من صفة هؤلاء هو في الباطن. فهل لهم علامة في الظاهر يعرفون بها؟ وهل يلزم تصديقهم إذا ادعوا الولاية؟ وما الفرق بين النبوة والولاية؟ وما المحدث من الأولياء؟ قال: الفرق بين النبوة والولاية، أن النبوة كلام ينفصل من الله وحيا، معه روح من الله. فيقضى الوحي ويختم بالروح، فيه قبوله، هذا الذي يلزم تصديقه، ومن رده فقد كفر، لأنه رد كلام الله تعالى. والولاية لمن ولى الله حديثه، على طريق أخرى، فأوصله إليه فله الحديث. وينفصل ذلك الحديث من الله عز وجل على لسان الحق معه السكينة، تتلقاه السكينة، التي في قلب المحدث، فيقبله ويسكن إليه. قال قائل: وما الحديث من الكلام؟ وما الفرق بينهما؟ قال: الحديث ما ظهر من علمه الذي برز في وقت المشيئة، فذلك حديث النفس، كالسر. و إنما يقع ذلك الحديث من محبة الله تعالى لهذا العبد، فيمضى مع الحق إلى قلبه، فيقبله القلب بالسكينة. فمن رد هذا لم يكفر، بل يخيب ويصير وبالأعليه، ويبهت قلبه، لأن هذا رد على الحق ما جاءت به محبة الله، من علم الله في نفسه، فأودعه الحق وجعله مؤيدا لهذا القلب، والأول رد على الله كلامه ووحيه وروحه. فالمحدثون لهم منازل: فمنهم من أعطى ثلث النبوة، ومنهم من أعطى نصفها، ومنهم من له الزيادة حتى يكون أوفرهم حظا في ذلك من له ختم الولاية. قال القائل: إني أهاب القول أن يكون لأحد من النبوة شيء، سوى الأنبياء. قال: ألم يبلغك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: " الاقتصاد والهدى والسمت الحسن جزء من أربعة وعشرين جزء من أجزاء النبوة"؟ فإذا كان المقتصد له من أجزاء النبوة ما ذكر فما ظنك بالسابق المقرب؟ قال القائل: وما الروح، وما الوحي، وما الحق، وما السكينة، وما المحبة؟ قال: الوحي والروح، ما قال الله تعالى في كتابه: ﴿ وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ﴾ سورة الشورى: الآية 52، ( وذكر السكينة ) فقال اسمه: ﴿ هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ﴾ سورة الفتح: الآية 4، والمحبة في قوله تعالى: ﴿ يحبهم ويحبونه ﴾ سورة المائدة: الآية 54، والحق هو حقيقة التوحيد، الذي ورد على القلب. قال له القائل: قد عرفت أنه مذكور كله في التنزيل، وإنما ابتغيت معرفة نفس هذه الأشياء، لا الأسماء. قال: هيهات أنت تحتاج إلى الصبر عن معرفة هذا؛ حتى إذا رقى بك طريق الإرادة إلى محل القربة، فقربت هناك. فسل حينئذ من هذه الأشياء. فإن أولئك أهل القربة بحاجة إلى معرفة هذا، وهم على مكانتهم في مراتب القربة. هناك تشخص أبصارهم إلى من يعرف هذا، عند سادات الأولياء المحدثين. فإن علم هذه الأشياء عندهم، هو الحكمة العليا، التي يقال لها: حكمة الحكمة. قال له قائل: قد وصفت الفرق بين النبي والمحدث، فما صفة هؤلاء الآخرين من الأولياء؟ قال: إن أهل الطريق يناجون، والمحدثون يحدثون، والحديث من حيث أعلمتك. والنجوى من العطاء ترمى إليه مقالات من بعد، كأن قائلا يقول كذا. ليس معه حراس النبيين ولا المحدثين: من الروح والسكينة وتولية الوحي. فصاحبه منه في ريب، لا يأمن أن يخالطه العدو بشيء، أو تمازجه النفس بخدعها ودواهيها. وكم من مريد غلط، استمع إلى نجواه فركن إليها، وقد مازجته النفس بدواهيها، فإذا هو ضحكة للشيطان تحدثه نفسه بشيء، فيحسبه من الله، فركن إليها. قال له القائل: وهل يأمن المجذوب أو المحدث أن تكون نفسه تأتي بمثل ذلك، أو عدوه؟ قال: فأين الحق والسكينة؟ وكما أن النبوة من الله فكذلك النبوة من الله، على جهة ما ذكرت لك. وكما أن النبوة محروسة بالوحي والروح، فكذلك الحديث محروس بالحق والسكينة، فالنبوة يأتي بها الوحي، والروح قرينه. والحديث يأتي بالحق، والسكينة قرينه. والسكينة مقدمة النبوة. والحديث في قلب النبي، والمحدث ثابت. وإنما سميت السكينة سكينة، لأنها تسكن القلب عن الريب والحرارة، إذا ورد الحق بالحديث عن الله تعالى. وكذلك الروح يعمل عمله في القلب، إذا ورد الوحي عن الله تعالى. ألا ترى أن بني إسرائيل لما أعطوا السكينة، ووجدوا ثقلها، وعلموا أنهم يعجزون عن احتمالها على القلوب- سألوا الله تعالى أن يجعلها لهم في التابوت. فكانت تنطق من التابوت، وتسكن القلوب بنطقها، فيعملون على ذلك. ولما أمر الله إبراهيم عليه السلام ببناء البيت، قرن به السكينة؛ حتى أتى البقعة، فالتوت السكينة حتى صار بمقدار البيت. ثم نادت: أن ابن على مقدار ظلى. فالسكينة مقدار من الله، يلتوى وينتقص ويمتد بمقدار ما يريد الله.
فهي حارس ما يورده الوحي ويورده الحق، وقائل ومسكن فأي ريب ههنا مع هذا؟
|
|
| |
| |