[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]صور من جهاد بعض مشايخ التصوف على مر القرونالتصوف باختصار هو مجمل تراثنا الروحي ، وهو جزء هام من تراثنا العربي الإسلامي لا يمكن التنكر له ، أو تجاهله بأي حال من الأحوال .
ذهب معظم علمائنا المتقدمين كالقشيري في رسالته ، وابن خلدون في مقدمته ، والذهبي في تواريخه ، إلى أن التصوف بزغ مع فجر الإسلام ، وهو لب ديننا الحنيف .
يقول الذهبي : ".... إنما التصوف والتأله والسير والمحبة ، ماجاء به أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، من الرضا عن الله ، ولزوم تقوى الله ، والجهاد في سبيل الله " .
ويعنينا هنا في هذه الدراسة الموجزة ، العبارة الأخيرة من كلام مؤرخنا الكبير ، أي الجانب الجهادي أو القتالي عند الصوفية.
ولا نعدو الصواب إذا قلنا : إن هذا الجانب الهام غفل عن الخوض فيه جل الدارسين لهذا العلم ورجاله . بل حاولت فئة واسعة من المستشرقين ، وبعض من حذا حذوهم من الباحثين المعاصرين ، أن يصم التصوف بالخمول والكسل ، والضعف والخنوع ، والتهاون عن مقارعة الغزاة وصد المعتدين . ولعمري إننا لا نعرف من أين جاءت هذه الإشاعات والترهَّات ، مع أن واقع الحال يخالف ذلك تماماً ، فالنصوص والأخبار والآثار التي في بطون أمهات الكتب تؤكد أن الجهاد بفرعيه : الأكبر والأصغر ، أي جهاد النفس وجهاد الأعداء دارت عليه رحى التصوف . وأن هذين الجهادين ركنان أساسيان في الحياة الروحية الإسلامية ، يشير الشيخ ابن عربي إلى ذلك في وصاياه قائلاً : "... وعليك بالجهاد الأكبر ، وهو جهاد هواك ، فإنك إذا جاهدت نفسك هذا الجهاد ، خلص لك الجهاد الآخر في الأعداء الذي أن قتلت فيه كنت من الشهداء الذين عند ربهم يرزقون..." .
وكيف يغيب عن بال الصوفية الآيات الكثيرة والأحاديث الشهيرة التي تبين فضل الرباط والجهاد ، وهم خواص أهل السنة ، كما يقرر الإمام القشيري في رسالته ، وإن خلت مصنفاتهم من الإشارة إلى موضوع الجهاد الحربي إلا ما ندر ، كقول أبي طالب المكي (ت 386 هـ) : ".... ولذلك صار الجهاد أفضل لأنه حقيقة الزهد في الدنيا " .
وقريب من ذلك ما جاء في كتاب الإحياء للإمام الغزالي :
"... إن المنافقين كرهوا القتال ، خوفاً من الموت ، أما الزاهدون المحبون لله تعالى ، فقاتلوا في سبيل الله كأنهم بنيان مرصوص" وفي موطن آخر يقول حجة الإسلام : "ولقد عظم الخوف من أمر الخاتمة فأسلم الأحوال عن هذا الخطر خاتمة الشهادة" .
أما ابن عربي وهو شيخ الصوفية الأكبر فيقول في الفتوحات ، متحدثاً عن أصناف الأولياء : "... ومنهم السائحون ، وهم المجاهدون في سبيل الله ، لأن المفاوز المهلكة البعيدة عن العمران ، لا يكون فيها ذاكر لله من البشر ، لزم بعض العارفين السياحة صدقةً منهم على البيداء التي لا يطرقها إلا أمثالهم ، والجهاد في أرض الكفر التي لا يوحّد الله تعالى فيها ، فكانت السياحة بالجهاد ، أفضل من السياحة بغير الجهاد..." .
والملاحظ أنه عندما ظهر التصوف رافقته مجموعة من الفضائل المستمدة من الفتوة ، وفي مقدمتها : الشجاعة والتضحية . يقول العارف سهل التستري (ت 273هـ) : "أصل هذا الأمر الصدق والسخاء والشجاعة" . ويذكر غيره : "الأساس الأول للصوفي هو تقوية الصلة بالله ، والشجاعة بالقتال للجهاد .
وقد جاء رجل إلى رويم البغدادي أحد كبار العارفين (ت 303 هـ) ، وقال له : "أوصني ، فقال : أقل ما في هذا الأمر بذل الروح ، وإلا فلا تشتغل بترهات الصوفية . وعلق على ذلك الشيخ الهجويري (ت 465 هـ) في كشف المحجوب شارحاً : "أعني كل شيء غير هذا هو ترهات ، وقد قال تعالى :" ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء...." .
ولا نريد الإسهاب في هذه التوطئة أكثر من ذلك ، وزبدة القول : إن العباد والزهاد ومن بعدهم الصوفية ، استنوا لأنفسهم سنة "المرابطة" . فشدوا الرحال إلى ميادين القتال ، لوعظ المجاهدين ، وتقوية عزائمهم، والمجاهدة معهم . يقول يحيى بن معاذ الرازي (ت 258هـ) مشيراً إلى أن من شروط الصوفية السياحة للجهاد :
ومن الدلائل أن تراه مسافراً *** نحو الجهاد وكل فعلٍ فاضل
ومع الاعتراف بأن الذي ساعد على توافد الصوفية وسياحتهم في العواصم والثغور بهذه الأعداد الوفيرة ، هو الفرار من مشاهد الفتن ، وتطاحن الأحزاب التي برزت إبان العصرين الأموي والعباسي ، وغرق كثير من الناس في ملذات الدنيا وشهواتها ، فوجد هؤلاء في هجرتهم إلى تلك الأماكن آفاقاً رحبة لجهادهم ، ورضى نفوسهم وراحتها .
يقول أحمد بن أبي الحواري (ت 230 هـ) : "في الرباط والغزو نعم المستراح إذا مل العبد من العبادة ، استراح إلى غير معصية" .
ولننتقل الآن إلى أرض الواقع ، ونورد شواهد حية من جهاد الصوفية على مر العصور والأزمان ، فمع بواكير القرن الثاني مثلا ، يطالعنا الحسن البصري- قدس سره - (ت 110 هـ) الذي يعده الصوفية في هرم سلسلة شيوخهم وناشر علومهم . قال أبو طالب المكي : "كان الحسن رضي الله عنه أول من أنتهج سبيل هذا العلم ، وفتق الألسنة به ، ونطق بمعانيه ، وأظهر أنواره ، وكشف قناعه ." وذكر الحفاظ : "لازم الحسن العلم والعمل ، وكان أحد الشجعان الموصوفين في الحرب" .
وعن ابن سعد أن رجلاً سأل الحسن : يا أبا سعيد هل غزوت ؟! قال : نعم ، وقال أيضاً : "غزونا إلى خراسان ومعنا ثلاثمائة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم . واشتهر عن الحسن قوله : أدركت سبعين بدرياً ما كان لباسهم إلا الصوف . ومن مأثوراته : "ما عمل عملٌ بعد الجهاد في سبيل الله ، أفضل من ناشئة الليل" .
ومن أعظم من لحق بالحسن بالبصري ، واختلف إلى حلقته وتأثر بمواعظه : محمد بن واسع- رحمه الله- (ت 123هـ) ، ومالك بن دينار (ت 131 هـ) . وقد رافق الأول والي خراسان قتيبة بن مسلم في فتح ما وراء النهر ، وكانت عليه مدرعة صوف خشنة . وقد جعل قتيبة مرة يكثر السؤال عنه ، فأخبر أنه في ناحية من الجيش متكئاً على قوسه ، رافعاً أصبعه إلى السماء ، فقال قتيبة : لأصبعه تلك أحب إليَّ من مئة ألف سيف شهير ، وكان ابن واسع كثير الصمت ، ومن كلامه : ما رأيت شيئاً إلا ورأيت الله فيه .
وأما مالك بن دينار- رحمه الله - فهو يعد من كبار رجال الطريقة ، وقد هجر الدنيا وانزوى عن أهلها . يروي صاحب كنوز الأولياء عنه : أنه كان في طلب الغزو سنين ، فركب بعسكر الإسلام للغزو ، فلما شرعوا ، أخذته الحمى ، حتى غدا لا يقدر القعود على الفرس ، فضلاً عن أن يقاتل ، فحملوه إلى الخيمة ، وجعل يبكي ويقول : لو أن في بدني خيراً لما يبتلى اليوم بالحمى .
وفي الطبقة نفسها يلقانا طائفة من العارفين المجاهدين ، منهم : أبو الصهباء صلة بن الأشيم -رحمه الله- من كبار التابعين العباد ، وقد تزوج من العابدة معاذة ، التي روت أن زوجها كان يصلي حتى يأتي فراشه زحفاً . وقال ابن حبّان في سياق كلامه عن صلة : كان يرجع إليه الجهد الجهيد ، والورع الشديد ، مع المواظبة على الجهاد براً وبحراً ، دخل سجستان غازياً ، وقتل بكابل في ولاية الحجاج بن يوسف .
ومنهم عتبة الغلام - رحمه الله - (ت 160هـ) أحد الزهاد المشهورين البكائين . جاء في الحلية عن عتبة أنه قال : "اشتروا لي فرساً يغيظ المشركين إذا رأوه . ونقل عن ابن مخلد الصوفي قال : جاءنا عتبة الغلام ، فقلنا له : ما جاء بك ؟ ، قال : جئتُ أغزو ، فقلتُ : مثلك يغزو ! فقال : إني رأيتُ في المنامُ أني آتي (المصيصة) ، فأغزو فأستشهد ، قال : فمضى مع الناس فلقوا الروم ، فكان أول رجل استشهد . من مأثوراته ، لا عقل كمخالفة الهوى ، ولا فقر كفقر القلب ، ولا فضيلة كالجهاد .
ومنهم عبد الواحد بن زيد - رحمه الله - (ت 177هـ) يقول : قرأ أحد أصحابنا الآية الكريمة : "إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة" فتهيأنا إلى الغزو...." ، ويعد عبد الواحد من الشيوخ الكبار الذين تكلموا في مواجيد الصوفية وأذواقهم ، وهو من طليعة من استفاضوا في الحديث عن مقام الرضا ، والحب المتبادل بين الله عز وجل وأوليائه . وقد أسند عن الحسن البصري قوله : "لكل طريقٍ مختصر ، ومختصر طريق الجنة الجهاد" .
ومنهم رباح القيسي - رحمه الله - (ت 177هـ) الولي الشهير وقد ارتبطت حياته بتلامذة الحسن البصري ، ونال شرف الشهادة وهو يخوض بفرسه غمار إحدى المعارك ضد أعداء الدولة الإسلامية .
ومنهم إبراهيم بن أدهم - رحمه الله - (ت 161هـ) الذي يعد إمام المتصوفين الروحانيين ، كان أبوه ملكاً ، لكن الابن تزهد اختياراً ، وساح في البلاد ، وجعل الثغور الإسلامية له مقاماً ، يذكره ابن عساكر أنه كان فارساً شجاعاً ، ومقاتلاً باسلاً ، رابط في الثغور ، وخاض المعارك على البيزنطيين ، وقال ابن حبان : إبراهيم بن أدهم مولده ببلخ ، ثم خرج إلى الشام طلباً للحلال المحض ، فأقام بها غازياً ومرابطاً إلى أن مات ، واختلف في وفاته ، والأصح ما ذكره ابن كثير وياقوت ، أنه مات وهو قابض على قوسه يريد الرمي به إلى العدو" .
ومنهم شقيق البلخي - رحمه الله - (ت 194هـ) صحب إبراهيم بن أدهم وأخذ عنه الطريق .
قال حاتم الأصم : كنا مع شقيق نحارب التُرك ، في يوم لا تُرى إلا رؤوس تطير ، ورماح تُقصف ، وسيوف تُقطع فقال لي : كيف ترى نفسك يا حاتم في هذا اليوم ؟! تراه مثل ما كنت في الليلة التي زُفّت إليك امرأتك ؟؟ قال : لا والله . قال : لكني والله ، أرى نفسي في هذا اليوم مثل ما كنتُ تلك الليلة . واستشهد شقيق في غزاة كوملان فيما وراء النهر .
ومنهم علي بن بكّار - رحمه الله - (ت199هـ) ، سكن ثغر المصيصة مرابطاً إلى أن مات بها . وصفه صاحب الحلية بـ "المرابط الصبّار ، والمجاهد الكرّار ، كان يصلي الغداة بوضوء العتمة" .
ومنهم عبد الله بن المبارك - رحمه الله - (ت 181هـ) قال عنه صاحب تاريخ بغداد : "كان من الربانيين في العلم ، ومن المذكورين بالزهد .. خرج من بغداد يريد ثغر المصيصة ، فصحبه الصوفية ، وابن المبارك أول من صنف بالجهاد ومع ذلك كان يفسر قوله تعالى :"وجاهدوا بالله حق جهاده"، هو مجاهدة النفس والهوى ، وكانت وفاته في بلدة "هيت" بالعراق عند انصرافه من الغزو .
ومنهم أبو اسحاق الفزاري - رحمه الله - (ت 183هـ) ، وقد أطلق عليه ابن كثير : "إمام أهل الشام في المغازي" ، وترجم له صاحب الحلية : "تارك القصور والجواري ، ونازل الثغور والبراري". قيل عنه : إنه كان إذا قرأ القرآن بكى وأبكى .
ومنهم أبو العباس السمّاك - رحمه الله - وكان يرتاد الثغور مع أقرانه ، وله مواقف في الدفاع عن أرض الإسلام ، وفي وعظ الخليفة هارون الرشيد . ومن وعظه له : اتق الله ، فإنك رجل مسؤول عن هذه الأمة ، فاعدل في الرعية ، وانفر في السرية .
ويفرد لنا الجوزي فصلاً خاصاً في كتابه (صفة الصفوة) للزهاد والصوفية الأوائل الذين رابطوا في العواصم والثغور في القرن الثاني ، نذكر منهم الشهيد ابن أبي اسحق السبيعي ، وحارس ثغر المصيصة محمد بن يوسف الأصبهاني ، وحارس ثغر طرسوس أبا معاوية الأسود ، والغازي أبا يوسف الغسولي ، والفتى المرابط يوسف ابن اسباط . (ت 199هـ) رحمهم الله جميعاً . ونطوي أسماء وأسماء من رهبان الليل وفرسان النهار من أهل القرن الثاني ، ليستوقفنا القرن الثالث وما يحوي من إشارات واضحة لمئات من المتطوعين الصوفيين ، خرجوا من ديارهم ، ووقفوا حياتهم على جهاد الروم ، ودرء خطرهم عن البلاد الإسلامية ، وكان مشايخهم يرافقونهم للموعظة والإرشاد ، وبث الحماسة الدينية ، "فكان لذلك أبعد الأثر في الصمود والنصر في كثير من المواقع" ، فمما يستفاد من رواية لابن العديم أنه في هذا العصر ، تجمع الصوفية من كل صوب في ثغور الشام ، إذ وفدوا إليها للجهاد في سبيل الله . ومنهم : أبو القاسم الأبار ، وأبو القاسم القحطبي ، وأبو القاسم الملطي ، رحمهم الله .
ومن مشاهيرهم حاتم الأصم رحمه الله (ت 237 هـ) كان يقال له لقمان هذه الأمة . ومما حدث به حاتم عن نفسه ، قال : لقينا الترك ، ورماني أحدهم بوهق (حبل) فأقلبني عن فرسي ، ونزل عن دابته فقعد على صدري ، وأخذ بلحيتي هذه الوافرة ، وأخرج من خفه سكيناً ليذبحني بها ، فرماه بعض المسلمين بسهم فما أخطأ حلقه ، فسقط عني ، فأخذت السكين من يديه فذبحته (40) ، وتوفي حاتم وهو مرابط على جبل فوق واشَجرْد .
ومنهم عسكر بن حصين أبو تراب النخشبي - رحمه الله - (ت 245هـ) من كبار مشايخ القوم المذكورين بالعلم والفتوة والتوكل ، وعن جهاده يخبرنا ابن عساكر أن موطن أبي تراب الأصلي خراسان ، إلا أنه خرج منها يريد عبدان والثغر .
ومنهم السري السقطي - رحمه الله - (ت 253 هـ) الذي ينتمي إليه أكثر مشايخ الصوفية ، حكى عنه المؤرخون بعض المجاهدات مارسها أثناء نزوله في أرض الروم ، ويتجلى رأيه في الجهاد حين فسر لأهل الثغر الآية الكريمة : "اصبروا وصابروا ورابطوا" فقال : صابروا عند القتال بالثبات والاستقامة .
ومنهم أبو سليمان الداراني - رحمه الله - (ت 205هـ) العارف المشهور ، وهو ممن كان يرتاد الثغور . وتلميذه أحمد بن أبي الحواري رحمه الله ، ريحانة الشام كما كان يسميه الجنيد . وقد شوهد مرابطاً في ثغر انطرسوس يجاهد في سبيل الله . وتقدم قوله : في الغزو والرباط نعم المستراح .
ومنهم أبو يزيد البسطامي - رحمه الله - (ت 261 هـ) الملقب سلطان العارفين . كان خلال وجوده في الثغر يحرس طوال الليل ويذكر الله ، ومن أقواله : لم أزل منذ أربعين سنة ، ما استندت إلى حائط ، إلا حائط مسجد أو رباط ، ويقول أيضاً : أقامني الحق مع المجاهدين ، أضرب بالسيف في وجه أعدائه .
ومنهم محمد أبو حمزة الصوفي- رحمه الله - (ت 269هـ) جليس أحمد بن حنبل وبشر بن الحارث ، وكان له مهر قد رباه ، وكان يحب الغزو عليه .
ومن أكابرهم أستاذ القوم أبو القاسم الجنيد البغدادي رحمه الله (ت 298هـ) وقد أجمع العلماء قاطبة على فضله وإمامته حتى عده ابن الأثير :"عالم الدنيا في زمانه" وقال ابن تيمية فيه : "الجنيد رضي الله عنه سيد الطائفة ، إمام هدى" ، إلى أن قال : " ومن خالفه فمن أهل الضلال . وعن جهاده في سبيل الله يقول الجنيد : "وخرجت يوماً في بعض الغزوات ، وكان قد أرسل إلي أمير الجيش شيئاً من النفقة ، فكرهت ذلك ، ففرقته على محاويج الغزاة" .
وغوث الطريقة القادرية ومجددها محيي الدين السيد الشيخ عبد القادر الجيلاني (قدس سره)(470 – 561هـ ) : ويذكر الدارسون أنه تاب على يديه أكثر من مئة ألف ، يقول شكيب أرسلان : إن له أتباعاً لا يحصى عددهم ، ووصلت طريقته إلى اسبانيا ، وبواسطة أنوار هذه الطريقة زالت البدع بين البربر ، يقول عنه الشيخ أبو الحسن الندوي ( وقد استطاع الشيخ عبد القادر الجيلاني أن يستمر في دعوته وجهاده أكثر من نصف قرن ، في بيئة اشتد فيها الاستبداد وأخفقت فيها الدعوات السياسية ، واحتمل الأمراء والخلفاء نقده الشديد وإنكاره على تصرفاتهم ، وقد كان لخلفائه وتلاميذه فضل كبير في المحافظة على روح الإسلام وحماسة الدعوة والجهاد ) وقد كان الشيخ عبد القادر الجيلاني ومريدوه يدعون للإسلام ويحاربون عدوه ، ويفتحون قلوب الغلاظ الشداد للإسلام حتى صاروا يدخلون في دين الله أفواجاً .ومن جهاده الذي كان له الاثر الاكبر في الانتصار على الغزو الصليبي لبيت المقدس قيامه في اعداد ابناء النازحين من مناطق الاحتلال الصليبي فقد كان يستقبلهم ويعدهم ثم يعيدهم الى مناطق الثغور،ولقد اصبح منهم القادة والمجاهدون وكان على راس الذاهبين الى دمشق الشيخ موسى بن الشيخ عبد القادر الذي عمل في تدريس الطلاب حتى وفاته عام 616هـ ومن مشايخ التصوف الكثير الذين اعتمد عليهم صلاح الدين في جهاده وتحريره لبيت المقدس من مختلف الطرق الصوفيه الذين اجتمعوا تحت راية الجهاد وقيادة صلاح الدين.
ومنهم الشيخ المجاهد رسلان الدمشقي (ت 541هـ) : صاحب الرسالة المعروفة في التوحيد والتصوف الذي لم يكن رباطه يقع داخل سور المدينة بل خارجها كأنه مخفر يأوي إليه حرس الحدود والذين يطوفون حول المدينة بعد إغلاقها ليلاً كي لا يكون هناك عدو مباغت وكان المريدون يترددون إلى رباطه يتعلمون فيه جميع أنواع الدراسة ويتدربون على الفنون الحربية للوقوف في وجه الصليبيين . وحتى الآن لا يزال أهالي دمشق يرددون الأنشودة المعروفة ( شيخ رسلان يا شيخ رسلان يا حامي البر والشام ) .
وكذلك الشيخ محي الدين بن عربي الصوفي المشهور (ت 638هـ) : ( أُثر عنه أنه كان خلال الحروب الصليبية يحرض المسلمين على الجهاد ومقاومة الغزاة الصليبيين ) .
ومن وصاياه قوله : "وعليك بالجهاد الأكبر ؛ وهو جهاد هواك ، فإنك إذا جاهدت نفسك هذا الجهاد ، خلص لك الجهاد الآخر في الأعداء ، الذي إن قتلت فيه كنت من الشهداء الأحياء الذين عند ربهم يرزقون… واجهد أن ترمي بسهم في سبيل الله ، واحذر إن لم تغز أن لا تحدِّث نفسك بالغزو…" .
ومنهم الإمام أبو الحسن الشاذلي (ت656هـ) : وتذكر كتب التاريخ مشاركته في معركة المنصورة سنة (647هـ) وقد التف حوله أتباعه . وقد ذكر صاحب شذرات الذهب : "وفيها الشاذلي أبو الحسن المغربي الزاهد شيخ الطائفة الشاذلية كان ضريراً اشتغل بالعلوم الشرعية ثم سلك منهاج التصوف حتى ظهر صلاحه… قدم إلى الإسكندرية في المغرب وصار يلازم ثغرها من الفجر إلى المغرب" .
ومنهم السلطان محمد الفاتح الصوفي الحنفي الماتريدي العقيدة : هذا الرجل الذي قال فيه سيدنا محمد صلى الله تعالى عليه وسلم فيما رواه أحمد في مسنده : (لتفتحن القسطنطينية فلنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش جيشها ) .
وكذلك الإمام العز بن عبد السلام (ت 660هـ) ودوره في التحضير لمعركة "عين جالوت" (سنة 658هـ) معلوم للقاصي والداني ، فلم يمنعه تقدمه في السن من المشاركة في الاجتماعات مع السلطان وقادة الأمة ، وحثهم على ملاقاة التتار ، وفتواه في الجهاد مشهورة معروفة .
ولا تخفى صوفيته ، فقد حكى السيوطي أن : (سلطان العلماء) "لبس خرقة التصوف من الشهاب السهروردي" (ت 632هـ) .
والسلطان نور الدين محمود زنكي قاهر الصليبيين (ت 569هـ) ذكر أبو شامة : وكان يحضر مشايخهم عنده ويقربهم ويدنيهم ويبسطهم ويتواضع لهم ، فإذا أقبل أحدهم إليه يقوم له مذ تقع عينه عليه ويعتنقه ويجلسه معه على سجادته ويقبل عليه بحديثه ، وكان يقول عن الصوفية : "هؤلاء جند الله وبدعائهم ننتصر على الأعداء" .
والسلطان صلاح الدين الأيوبي قاهر الصليبيين ومحرر الأقصى : قد ورد عنه أنه خلال المعارك كان يصحب علماء الصوفية لأخذ الرأي والمشورة فضلاً على أن وجودهم يعتبر حافزاً قوياً للمريدين على القتال ببسالة وشجاعة نادرة .
ومنهم الشيخ عبد العزيز بن السيد الشيخ عبد القادر الجيلاني (قدس سره) وكان عالماً بهياً متواضعاً وعظ ودرس ، وتخرج على يديه كثير من العلماء ، وكان قد غزا الصليبيين في عسقلان ، وزار القدس الشريف ، ورحل إلى جبال الحيال وتوفي فيها سنة (602ه) وقبره في مدينة (عقره) من أقضية لواء الموصل في العراق .
ومنهم السيد الشيخ أحمد البدوي (قدس الله سره) شيخ الطريقة الأحمدية بطنطا وكان قد أسر العديد من جند الفرنسيين حتى قابله الأهالي بنشيدهم المحفوظ إلى الآن : الله الله يا بدوي جاب الأسرى - ومازالت هذه المقولة يتغني بها الناس كأنشودة من التراث الأحمدي .
والسلطان المملوكي الظاهر بيبرس (ت676هـ ) : روى صاحب شذرات الذهب : أنه بوصول السيد البدوي إلى مصر قادماً من المغرب تلقاه الظاهر بيبرس بعسكره وأكرمه وعظمه وانتسب إلى طريقته .
ومن مجاهدي القرن العشرين حضرة السيد الشيخ عبد القادر الكسنزان (قدس سره) وهو أحد مشايخ الطريقة العلية القادرية الكسنزانية ، فلقد كان رجلاً زاهداً ومتصوفاً ورعاً في غاية التقوى منذ شبابه بحيث لم يشتغل بأمر من أمور الدنيا منذ صباه , بل آثر عبادة الله وإرشاد خلقه قبل وفاة والده السيد الشيخ عبد الكريم شاه الكسنزان (قدس سره) وبعدها .
ولقد عاصر السيد الشيخ عبد القادر الكسنزان (قدس سره) الحرب العالمية الأولى ، وكان من أعدى أعداء الاحتلال البريطاني ضد الإنكليز في خطبه ومواعظه . ولا نبالغ إذ نقول أنه كان بمثابة الشرارة التي أضرمت نار المقاومة المسلحة ضد الاحتلال ، حيث أعلن الجهاد بين المريدين بصورة خاصة ، وحث المسلمين عليه بصورة عامة , وقد كان يناشد الناس في خطبه ومواعظه ويقول : ( أيها المسلمون هلمّوا لمساعدة المجاهدين في الجنوب , أخوتكم العرب فإن كل من حمل السلاح ضد الإنكليز أو قتل إنكليزياً أو ساعد المجاهدين بأمواله ولسانه فهو مسلم مجاهد , شفاعته يوم القيامة واجبة وهو من أهل الجنة ) .
وقد كان البريطانيون يعلمون أن لتحريض الشيخ عبد القادر الكسنزان (قدس سره) وإعلانه الجهاد ضدهم بين المريدين تأثير كبير ؛ لأنه كان يلهب قلوب المسلمين ضد بريطانيا , وهو الرجل الروحي المحبوب ذو الصوت المسموع والجانب المرهوب ، مما حدا بقائد الجيش البريطاني في شمال العراق أن يُصرح في مناسبات عديدة بأن الشيخ عبد القادر الكسنزان حجر عثرة أمام زحف بريطانيا ، ولذلك يجب عليهم الهجوم عليه بكل ما لديهم ، ومطاردته حيثما كان . وبعد أن سيطرت بريطانيا على شمال العراق قرروا الهجوم على السيد الشيخ عبدالقادر الكسنزان . فأمر ابنه السيد الشيخ السلطان حسين (قدس سره) بمهاجمة الجيش البريطاني المؤلف من ألف جندي بالقرب من قرية كربجنة , ( وهي قرية تربى فيها بعض مشايخ الطريقة الكسنزانية ) وبعد معركة حامية تم أسر من بقي من الجنود وضابطين مع كامل أسلحتهم وعتادهم , ونظراً لتلك الضربة الموجعة التي وجهها لهم الشيخ السلطان حسين ، ثارت ثائرة بريطانيا ، فأرسلت قوة قوامها عشرين ألف جندي من البريطانيين والمرتزقة المحليين , فحاصروا قرية كربجنة وأحرقوها ، إلا أن السيد الشيخ عبد القادر الكسنزان كان قد ترك القرية مع أسرته والتجأ إلى الجبال . ولقد أحرق الإنكليز جميع ممتلكات الشيخ عبد القادر وممتلكات أتباعه وأولاده ، وحاصروا جبل ( سركرمة ) - وهو جبل يحيط بقرية كربجنة - من كل الجهات لأجل القبض على الشيخ المجاهد .
ويروي أحد علماء الدين في تلك القرية ، وهو يومئذ كان مختبأً مع عائلته في كهف مع السيد الشيخ عبد القادر الكسنزان ويقول : لما بدأ الجيش البريطاني بتمشيط الجبل واقترب الجنود منا ونحن مختبئون في الكهف ، إذ بدأت طفلتي بالبكاء ، فأخذت السكين لأذبحها . فقال الشيخ ماذا تفعل يا مُلا ؟ قلت : أذبح طفلتي كي لا يسمع الكفار صوتها ، فتنكشف أنت فتقع في قبضة الإنكليز . فقال لي : يا ملا ، أما قرأت الآية الكريمة عندما كان الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم وأبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه في الغار : ] ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا [ إن هجرتنا تشبه هجرة الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم ، وإن الكهف الذي نحن فيه يشبه الغار الذي اختبأ فيه الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم , وإن الكفار الذين يحيطون بنا ككفار قريش , كن على يقين واعتقاد تام ، بأن الله يرعانا وينجينا كما نجى الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم وأبا بكر من قبل . وهكذا هاجر الشيخ المهاجر مع أسرته ليلاً إلى إيران وبقي هناك غازياً ومهاجراً وغريباً كما هاجر جده الأعظم صلى الله تعالى عليه وسلم من قبل , وبقي فيها غريباً ومهاجراً في خدمة الدين والتصوف حتى وافاه الأجل سنة (1339 هـ ) الموافق سنة ( 1919 م ) في إيران غازياً مهاجراً عن وطنه حيث أبعدته ظروف القتال عن العراق على أثر إعلانه الجهاد ضد الإنكليز . وما أثر عنه بهذا الخصوص أنه قال بعدما ألحوا عليه بالرجوع إلى العراق : لا أرجع إلى العراق حتى يذهب المطر كل أثر للإنكليز من أرض العراق .
وبعد الشيخ المهاجر واصل مسيرة الجهاد ضد الانكليز ابنه السيد الشيخ السلطان حسين الكسنزان (قدس سره) وهو أيضاً أحد مشايخ سلسلة الطريقة العلية القادرية الكسنزانية ، حيث ولد عام ( 1306 هـ ) الموافق ( 1885 م ) في قرية ( كربجنة ) وتربى تربيةً دينية فدرس القرآن الكريم وعلوم النحو والفقه في المدرسة الموجودة في قرية كربجنة آنذاك . إلى أن خلف والده على سجادة المشيخة ، فالتف المريدون حوله وبايعوه . وبدأ الشيخ الخلف بإكمال مهمة والده وجده وسار على نهجهما في التوجه إلى الله ومخافته وتطهير النفس وتنقيتها , حتى أصبح متصوفاً عظيماً وعلماً شامخاً من أعلام التصوف وترك ملذات الدنيا وحّرمها على نفسه إلا اليسير من أسباب الحياة .
اشترك الشيخ السلطان حسين (قدس سره) في عدة معارك خاضها ضد الجيش الروسي في الحرب العالمية الأولى ، والذي كان يهاجم عن طريق إيران , كما اشترك في عدة معارك ضد الجيش البريطاني في شمال العراق أيام الاحتلال ، وأسّرَ بنفسه في إحدى المعارك ثمانين جندياً مع ضابطين كما اسلفنا، وقتل الكثير منهم . أسّس السيد الشيخ السلطان حسين (قدس سره) مدرسة دينية في قرية ( كربجنة ) وعينّ على نفقته مدرسين دينين وتلامذة يدرسون فيها الحديث الشريف والنحو والفقه وسائر العلوم الدينية , حيث كان عدد التلاميذ يتلقون العلم في هذه المدرسة أكثر من عشرين تلميذاً ويتخرج في هذه المدرسة سنوياً علماء متخصصون في شتى العلوم . وبعدها توفي السيد الشيخ السلطان حسين الكسنزان في سنة ( 1358 هـ ) الموافق ( 1938 م ) , وكانت لوفاته ضجة كبيرة وأعمق أثرٍ بين المريدين خاصة والمسلمين عامة , لأن الإسلام فقد بوفاته رجلاً متصوفاً ومصلحاً عظيماً في عصرٍ كان الإسلام فيه بأشد الحاجة لمثل هؤلاء الرجال العظماء الذين خدموا الدين الإسلامي أكبر خدمة .
والأمير عبد القادر الجزائري الصوفي الأشعري الذي جاهد الاحتلال الفرنسي بين (1832-1847م) قائد الثورة في الجزائر ضد الاحتلال وصوفيته لا تخفي على أحد بالطبع .
والبطل المجاهد عمر المختار الصوفي الزاهد التابع للطريقة الصوفية السنوسية (1858-1931م) الذي جعل من زاويته الكبرى في واحة الجغبوب مقراً ومركزاً للعمليات العسكرية حتى استشهاده .
الشيخ أحمد السنوسي : استطاع صد الاستعمار الفرنسي والإيطالي عن طريق إنشاء الزوايا الصوفية في ليبيا والجزائر والصحراء حتى وصل إلى بحيرة تشاد في وسط إفريقيا ، والتي كانت تقوم بالدعوة إلى الإسلام ، فدخل كثير من الناس إلى الإسلام في نيجيريا وغانا والسنغال والكونغو وتشاد وأوغندا ... وضايقوا البعثات التبشيرية المسيحية ، فخافت الدول الاستعمارية من خطر الدعوة السنوسية ، فحاربتها بكل الطرق ، وضاق بهم المندوب الانجليزي ( اللورد كتشنر ) فأرسل للسيد السنوسي يتضرع إليه أن يخفف دعوته .
المجاهد محمد أحمد المهدي : دخل خلوات الصوفية وبهرته أنوارها ، حفظ القرآن وعمره 12 عاماً ، واستطاع محاربة الاستعمار في السودان عن طريق بسط نفوذه في جميع أنحاء غرب السودان ، وقد أرسلت له السلطات المستعمرة باخرتين ( فصيلين من المشاة ) ، ومثلهما من الفرسان ، لكنه استطاع مع مريديه هزيمتهم بالعصي والهراوات ثم انتصر في معركة راشد ، ثم نازل الكولونيل ( وليم هكسن ) في معركة ( شيكان ) فقتله مع جنوده ، ثم حاصر المهدي الخرطوم وقتل ( غوردون ) الذي أراده المهدي حياً ليفتدي به عرابي من أسر الانجليز .
والزعيم الصوفي أحمد عرابي صاحب الثورة العرابية (1841-1911م) الذي نشأ في بيئة صوفية . وفي ذلك يذكر عرابي عن أبيه أنه كان شيخاً جليلاً عالماً ورعاً وأن جده تزوج شقيقة السيد الرفاعي الصيادي . جاء في بعض الكتابات : ( أحمد عرابي الحسيني مسلم صوفي جاور في الأزهر عامين اتصاله وثيق مع العلماء قد التف حوله جند مؤمنون يقضون الليل في الاستماع إلى القرآن وفي حلقات الذكر ) .
والشهيد الشيخ عز الدين القسام (1882-1935م) : وصوفيته لا تخفي على أحد وقد ترجم له صاحب الأعلام الشرقية بقوله : "شيخ الزاوية الشاذلية في جبلة الأدهمية" . والده الشيخ عبد القادر القسام من المشتغلين بالتصوف أرسل ابنه لمتابعة تعليمه العالي في الأزهر ثم عاد الابن للتدريس والوعظ في زاوية والده وقد امتاز منذ صغره بالميل إلى الانفراد والعزلة الأمر الذي سيؤثر في مستقبله وسيجعله أكثر قدرة على فهم ما يدور حوله من أحداث .
الشيخ الصوفي محمد بدر الدين الحسني (1851-1935م) : ويعتبر المفجر الحقيقي للثورة السورية الكبرى ( 1925-1927م) وأصله من المغرب من ذرية الشيخ الجزولي صاحب دلائل الخيرات ولد في دمشق من أب قادري الطريقة كان فقيهاً زاهداً عارفاً بالله يغوص على مكنونات علم التصوف بدقة ، وعليه قرأ شيوخ المتصوفة في دمشق . وصفه صاحب الأعلام أن كان "ورعاً صواماً بعيداً عن الدنيا ، ولما قامت الثورة على الاحتلال الفرنسي في سوريا كان الشيخ يطوف المدن السورية متنقلاً من بلدة إلى أخرى ، حاثاً على الجهاد وحاضاً عليه ، يقابل الثائرين وينصح لهم الخطط الحكيمة ، فكان أباً روحياً للثورة والثائرين المجاهدين" .
وعلى كل فإن هذا البحث يفتح آفاقاً جديدة ، ويحتاج إلى دراسة واسعة أشمل ، لأن مثل هذه الدراسة لن تعمق فهمها واحترامنا لتراثنا الروحي فحسب ، ولكنها سوف تعمق وعينا بأنفسنا ، ماضياً وحاضراً ومستقبلاً ، وهذا مطلب بالغ الأهمية في هذه المرحلة من تاريخنا .
وتجر الاشارة هنا الى ان جهاد اهل التصوف كان مكرسا كله لقتال العدو الغازي اولنشر الاسلام ، ولم ينقل الينا التاريخ تورط اهل التصوف في الفتن الداخلية في المجتمع الاسلامي او الخلافات المذهبية او العرقية ابدا حاشاهم من ذلك ، وانما كان دورهم جمع كلمة المسلمين وتوحيدهم في الوعظ والارشاد على كلمة لا اله الا الله،ولم يكفروا احدا من اهل القبلة او يخرجوه من الملة الا من كان كافرا صريح الكفر .