الــحــــــب:
الحب في أبسط معانيه هو تجاذب بين طرفين والكون كله قائم على الجاذبية
فلولاها لتناثر كل شيء وتبعثر. فالحب هو أصل الوجود والغرض من الخلق ولولا
أن سبق الحب من الخالق سبحانه وتعالى لما ظهر الخلق للوجود.
وقال تعالى ) يحبهم ويحبونه…) (الآية)، فذكر حبه تعالى لعباده أولاً ثم عطف
عليه حبهم له فلولا أن أحبهم ما أحبوه وهل يمكن للمرء أن يحب من لا يعرف؟
كيف يصل المرء إلى حب الله سبحانه وتعالى؟
الله الذي ليس كمثله شيء والذي لا يمكن تصور كنهه، الذي لا يحده زمان ولا مكان، الأول والآخر, الظاهر والباطن هل لنا أن ندعي حبه؟
خلق الله الإنسان من روح لطيفة وألبسها جسداً من تراب وعَلِم حاجته للتعرف
على الأشياء عن طريق الحواس - – كما قال بعض الصوفية: "ليس من ذاق كمن لم
يذق" - فوضع في قلبه الحب: الحب للزوجة والأبناء والأخوة وسائر المخلوقات،
وجعل التعبير عنه مادياً ومعنوياً. وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم:
(لكل حق حقيقة). وكما قال أيضاً كما في سنن أبي داود والترمذي، عن المقدام
بن معد يكرب رضي اللّه عنه، عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال: (إِذَا
أحَبَّ الرَّجُلُ أخاهُ فَلْيُخْبِرُهُ أنَّهُ يُحِبُّهُ) قال الترمذي:
حديث حسن صحيح.
فالحب يزيد وينقص وينمو ويترعرع ولا يكون ذلك إلا بالتعبير المتبادل بين
المتحابين بالكلمة واللمسة، بالبسمة والهدية والرعاية كما نعرف وكما يتضح
من التوجيه النبوي حيث قال صلى الله عليه وسلم كما ورد في صحيح مسلم عن أبي
هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (والذي نفسي بيده، لا تدخلوا
الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه
تحاببتم, أفشوا السلام بينكم).
فكيف نحب من لا نرى ولا نسمع ولا نستطيع مجرد تخيله؟
قال تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون). فإذا كان الغرض من الخلق هو العبادة.
وإذا كانت العبادة الحقة هي الطاعة بالحب (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ
اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ
وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ).
وقال صلى الله عليه وسلم (من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد
استكمل الإيمان) ). أبو داود والضياء عن أبي أمامة وأحمد عن أنس بن معاذ.
وقال السيوطي: صحيح.
فمن الإيمان أن يعطي المرء ويمنع لوجه الله وهو عمل الجوارح ومن تمام
الإيمان أن يحب ويبغض في الله وهو عمل القلب وقد ذكر النبي عمل القلب قبل
عمل الجوارح لأن المحب لمن أحب مطيع فإن كان حبك صادقا لأطعته،
تعصى الإله و أنت تظهر حبه هذا لعمري في القياس بديع
إن كان حبك صادقا لأطعته إن المحب لمن يحب مطيع
وشتان بين العبادة والطاعة خوفاً من النار, وهي عبادة العبيد, أو العبادة
والطاعة طمعاً في الجنة, وهي عبادة التجار, وبين عبادة المحبين الأحرار
الذين لا يرجون سوى رضا المحبوب كما قال الإمام علي بن أبي طالب كرم الله
وجهه.
فما وضع الله الحب في قلب عبده تجاه سائر مخلوقاته إلا كتدريب ليعرف مذاق
الحب ولكي يتخذه سبباً يصل به إلى حب الله الذي هو الغرض من الخلق. لذلك
أنزل الله المتحابين فيه منزلة يغبطهم عليها الأنبياء والشهداء.
قال صلى الله عليه وسلم (إن الله تعالى يقول يوم القيامة: أين المتحابون
بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي، يوم لا ظل إلا ظلي) أحمد في مسنده وصحيح مسلم
عن أبي هريرة، وقال السيوطي: صحيح.
كما وعد على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم أنس بن مالك رضي الله عنه وأرضاه قال:
أرجى ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (المرء مع من أحب
يوم القيامة) وإني لأحب رسول الله وأبو بكر وعمر وإني لأرجو أن أكون معهم
وإن كنت لا أعمل مثل عملهم. أخرجه عن أنس وغيره بروايات عديدة أحمد في
مسنده ومتفق عليه [البخاري ومسلم] والثلاثة [أبو داود، الترمذي، النسائي]
عن أنس، متفق عليه [البخاري ومسلم] عن ابن مسعود, وقال السيوطي: صحيح.