السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين
مؤمنات أشاد الله بذكرهن في كتابه العزيز، كأم البشر السيدة حواء وآسيا
امرأة فرعون ومريم بنت عمران وأم موسى وبلقيس ملكة سبأ وأمهات المؤمنين
وبنات النبي عليه الصلاة والسلام ومؤمنات أخريات مهاجرات و أنصاريات
وصحابيات و تابعات لهن في نصرة الإسلام باع طويل
والآن مع السيدة
آسيا بنت مزاحم رضى اللَّه عنها
نشأتْ ملكة فى القصور، واعتادتْ حياة الملوك، ورأَتْ بطش القوة، وجبروت
السلطان، وطاعة الأتباع والرعية، غير أن الإيمان أضاء فؤادها، ونوَّر
بصيرتها، فسئمتْ حياة الضلال، واستظلتْ بظلال الإيمان، ودعتْ ربها أن
ينقذها من هذه الحياة، فاستجاب ربها دعاءها، وجعلها مثلا للذين آمنوا، فقال
: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ
إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِى عِندَكَ بَيْتًا فِى الْجَنَّةِ وَنَجِّنِى
مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِى مِنَ الْقَوْمِ
الظَّالِمِينَ)التحريم: 11
وقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم "أفضل نساء أهل الجنة :خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، ومريم، وآسية" أحمد
إنها آسية بنت مزاحم -امرأة فرعون التى كانت نموذجًا خلّده القرآن للمؤمنة
الصادقة مع ربها، فهى عندما عرفت طريق الحق اتبعتْه دون خوف من الباطل،
وظلم أهله، فلقد آمنت باللَّه إيمانًا لا يتزعزع ولايلين، ولم تفلح تهديدات
فرعون ولا وعيده فى ثنيها عن إيمانها، أو إبعادها عن طريق الحق والهدي.
لقد تاجرتْ مع اللَّه، فربحَتْ تجارتها، باعتْ الجاه والقصور والخدم، بثمن
غال، ببيتٍ فى الجنة، ونعم أجر المؤمنين
وقد جاء ذكر السيدة
آسية - رضى اللَّه عنها - فى قصة نبي الله سيدن موسى عليه الصلاةالسلام
حينما أوحى اللَّه إلى أمه أن تُلْقيه فى صندوق، ثم تلقى بهذا الصندوق فى
البحر، وفيه سيدنا موسى عليه الصلاةالسلام ، ألْقِى به الموج نحو الشاطئ
الذى يطلّ عليه قصر فرعون فأخذته الجواري، ودخلن به القصر، فلما رأت امرأة
فرعون ذلك الطفل فى الصندوق ألقى الله تعالى فى قلبها حبه، فأحبته حبَّا
شديدًا
وجاء فرعون ليقتله - كما كان يفعل مع سائر الأطفال الذين كانوا
يولدون من بنى إسرائيل فإذا بها تطلب منها أن يبقيه حيا ليكون فيه العوض
عن حرمانها من الولد وهكذا مكن اللَّه لموسى أن يعيش فى بيت فرعون، قال
تعالي: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ
عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِى الْيَمِّ وَلَا تَخَافِ ولا تَحْزَنِى إِنَّا
رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ. فَالْتَقَطَهُ آلُ
فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ
وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ. وَقَالَتِ امْرَأَتُ
فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّى وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن
يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُون) القصص7-9
وكانت السيدة آسية ذات فطرة سليمة، وعقل واعٍ، وقلب رحيم، فاستنكرت الجنون
الذى يسيطر على عقل زوجها، ولم تصدق ما يدعيه من أنه إله وابن آلهة
وحينما شَبَّ موسى وكبر، ورحل إلى "مدين"، فرارًا من بطش فرعون وجنوده ثم
عاد إلى مصر مرة أخرى بعد أن أرسله اللَّه تعالى كانت امرأة فرعون من أول
المؤمنين بدعوته
ولم يخْفَ على فرعون إيمان زوجته باللَّه، فجن
جنونه، فكيف تؤمن زوجته التى تشاركه حياته، وتكفر به، فقام بتعذيبها حيث
عَزَّ عليه أن تخرج زوجته على عقيدته، وتتبع عدوه، فأمر بإنزال أشد أنواع
العذاب عليها؛ حتى تعود إلى ما كانت عليه، لكنها بقيت مؤمنة بالله،
واستعذبت الآلام فى سبيل اللَّه
وقد ورد أن أمر فرعون جنوده أن
يطرحوها على الأرض، ويربطوها بين أربعة أوتاد، وأخذت السياط تنهال على
جسدها، وهى صابرة محتسبة على ما تجد من أليم العذاب، ثم أمر بوضع رحًى على
صدرها، وأن تُلقى عليها صخرة عظيمة، لكنها دعتْ ربها أن ينجيها من فرعون
وعمله
فاستجاب اللَّه دعاءها، وارتفعت روحها إلى بارئها، تظلِّلُها
الملائكة بأجنحتها لتسكن فى الجنة، فقد آمنت بربها، وتحملت من أجل إيمانها
كل أنواع العذاب، فاستحقت أن تكون من نساء الجنة الخالدات
وصدق
رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ( حين قال: "كمل من الرجال كثير، ولم يكمل
من النساء إلا آسية امرأة فرعون، ومريم بنت عمران، وإن فضل عائشة على
النساء كفضل الثريد على سائر الطعام" البخارى ومسلم والترمذى وابن ماجة [