ليتني لم اكون هكذا !

طفل بكماله ،تربى بين احضانها
و في كل لحظة تمر فيه الحياة
تعيشها بألمها و فرحها و قلقها
ربته بروحها ، و عاش من ايامها

كبر و كبرت و سرت الايام و انطوى الماضي
و اصبح لا يمر الا بالذكريات

نسى الحب و التربية
أنساها سعادتها في تلك اللحظة
اللحظة التي تعرف بها على عشقه


نسى كل السنين الي تعبت من اجله
نسى كيف اصبح بفضلها

وفي النهاية نسى !

تساهل ان يتخلى عنها
يتخلى عن امه ! امــــه !
تركها بلا عون ، لا أنيس ، لا رفيق

في ذلك البيت الصغير

و اخذ يتبع ملذاته
تزوج ، و عاش ايامه ، و انجب
و امه بذلك البيت تشكي وحدتها لله
تشكي ألمها اليه
تكابد لوعة الفراق / الهجر و النكران

و مع ذلك لازالت تحبه
و تتمنى ان تراه قبل ان تغمض عيناها
لقد اشتاقت اليه
اشتاقت لرائحته / اشتاقت لصوته
اشتاقت لترنم كلمة " امــي " على لسانه
و صداها على مسامعها

وهو أبى ان يشتاق !
كم ان القساوة اعمت قلبه

مرت الايام و الشهور
وكان هو و زوجته على موعد شاغر بعد ما اودعوا ابنهما في الحضانة
ولكن قدرة الله التي قدرت بذلك

حادث اقلب السيارة ! و نقلا المستشفى على اثرها

اثناهم بين الحياة و الموت

في تلك اللحظة فقط !
استفقد لدعاؤها ! استفقد لها
و لحضنها الان ..

سقطت دمعته ، و ابت ان تسكن مقلتيه

و بعد مرور اسبوع افاق بخير ,
و نجى من موته ..

و اول من تذكر حينها هي ..
اجل هي ..

زوجته / وليست امــه !

افاق من الموت و افاق جحوده مجددا
سأل عنها ، و هي كانت بجانب غرفته ترقد مسبقا
الى ان افاقت بخير

اطمئن و ارتاح قلبه ! و شكر الله تعالى لنجاتهم

مرت الايام و بعض من السنين !
و كبر طفلهما قليلا و اصبح من اوائل مدرسته ،،

و لكن ! سؤال قد طرحه على والديه حرك لهما
مشاعر ماتت للسنوات

"" اين جدتي ؟! ""

تثاقل ألم الابن و هو يستشعر بغيابها
بل بجحوده لها ...

ركب سيارته و قصدها مع ابنه
وهي ابت ان تذهب ,،
بقولها "" امرأة لا حاجة لي فيها ""

ذهب و تمنى انه لم يذهب ..
فوجئ بالصاعقة !!

امـــي !

نادها بألم / وهي تلتفت يمينا يسارا بلهفة تتحسس موقعه ,,

اقترب منها بجمود ..
و جثى بركبتيه ألماً ..

دموعه جرت كمجرى النهر ..

نطق بألم " امـــــــي " ....

ابتسمت و دموع الشوق احرقت و جنتيها ..
مدت يدها و هي تتحسس خديه ..
فمسحت الدموع منها ..

و سألته ..

"" كيف حالك ؟! ""

فقال وهو يبكي و يده تشير لعينه !

"" اعينك هذه ؟! ""

تجمدت ملامح امه ! و طأطأته رأسها
فصرخ "" اعينك هاذه ؟! ""
فهزت رأسها و هي تجيب بـ " لا "

فلم يصدقها ! فنزل عند حجرها و اخذ يدها ووضعها على رأسه و قال ..

" احلفك بمن رأسه هذا ! اعينك من تبرعتي به الي ؟! "

فاجابت ..

" لا / بل تبرعتها لزوجتك "

ام حفيدي ، و حبيبة ابني الغالي
و هل اغلي عيناي الى من يرى عينه فيها ؟!

نكس رأسه خجلا منها بل اشد ندما على فعله
ورمى بنفسه يبكي حرقة الى من تكون اليه اقرب من روحه ،،

"" امــي هل لك ان تغفري لي ""

و جعل يقبل رأسها و يدها حسرة على ما اقترفه في حق روحه ..