الشريعة الواجبة التطبيق على غير المسلمين
فى القانون رقم 1 لسنة 2000
بإصدار قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضى فى مسائل الأحوال الشخصية

]معدلا بالقانون رقم 91 لسنة 2000
بقلم
مجدى صادق

الشريعة الواجبة التطبيق على غير المسلمين
فى القانون رقم 1 لسنة 2000
]بإصدار قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضى فى مسائل الأحوال الشخصية

معدلا بالقانون رقم 91 لسنة 2000
بقلم
مجدى صادق



نص القانون رقم 1 لسنة 2000 فى المادة الرابعة من مواد الإصدار على إلغاء لائحة ترتيب المحاكم الشرعية الصادرة بالمرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931 كما نص فى نفس المادة على إلغاء القانون رقم 462 لسنة 1955
ونصت المادة الثالثة من مواد إصدار هذا القانون على ما يلى :
1 - تصدر الأحكام طبقا لقوانين الأحوال الشخصية والوقف المعمول بها ويعمل فيما لم يرد بشأنه نص فى تلك القوانين بأرجح الأقوال من مذهب أبى حنيفة.
2 - مع ذلك تصدر الأحكام فى المنازعات المتعلقة بالأحوال الشخصية بين المصريين غير المسلمين المتحدى الطائفة والملة الذين كانت لهم جهات قضائية ملية منظمة حتى 31 ديسمبر سنة 1955 طبقا لشريعتهم فيما لا يخالف النظام العام
وقد خلت نصوص هذا القانون من تحديد أثر تغيير أحد الخصوم طائفته أو ملته بما يخرجه من وحدة طائفية إلى أخرى قبل أو أثناء سير الدعوى

ويتضح من مجمل نص المادة الثالثة من مواد إصدار هذا القانون أن المشرع وضع أربعة شروط لإنطباق شريعة غير المسلمين هى كالتالى:

]الشرط الأول : أن يكون النزاع متعلقا بالأحوال الشخصية
الشرط الثانى : أن يكون غير المسلمين متحدين فى الطائفة والملة.
الشرط الثالث : أن يكون لغير المسلمين قضاء ملى منظم قبل 31 ديسمبر سنة 1955
الشرط الرابع : أن تصدر الأحكام طبقا لشريعتهم فيما لا يخالف النظام العام

وقد قصرت نصوص هذا القانون عن تحديد الشريعة الواجبة التطبيق على غير المسلمين إذ غير أحدهما طائفته أو ملته قبل أو أثناء سير الدعوى وهل يعتد بهذا التغيير من عدمه؟

ونصت المادة 17/3 من القانون رقم 1 لسنة 2000 المعدلة بالقانون رقم 91 لسنة 2000 على ما يلى

لا تقبل دعوى الطلاق بين الزوجين متحدى الطائفة والملة إلا إذا كانت شريعتهما تجيزه.



من إستقراء نص المادة الثالثة من مواد إصدار القانون رقم 1 لسنة 2000 على التفصيل المتقدم بيانه يتضح أشتراط المشرع لتطبيق الشريعة الخاصة أن تكون المسألة من مسائل الأحوال الشخصية التى تخضع لولاية الشريعة الدينية كقاعدة عامة وأنه يشترط لتطبيقها أن يكون غير المسلمين متحدين فى الطائفة والملة, ونظرا لأهمية تحديد المفهوم الصحيح للطائفة والملة لهذا رأينا أن نعرض لها بشىء من التفصيل.

أولا : المقصود باتحاد غير المسلمين فى الطائفة والملة

[size=12]قصد المشرع المصرى بغير المسلمين " اليهود والنصارى " وهم المخاطبون بهذه القاعدة. فاشترط لتطبيق شرائعهم الخاصة أن يكونا متحدين فى الطائفة والملة
وقصد المشرع باتحاد غير المسلمين فى الطائفة أن يكون الزوجان من طائفة واحدة كأن يكونا من الأقباط ( المصريين ) أو السريان ( السوريين ) أو الموارنة ( اللبنانيين ) أو الكلدان ( العراقيين ) أو الأرمن أو الروم ( اليونان ) أو اللاتين ( الرومان ) الذين لهم قضاء ملى منظم قبل 31 ديسمبر سنة 1955م
وقد عرف الفقهاء الطائفة فى مجال الأحوال الشخصية بأنها جماعة من الناس يجمعهم رباط مشترك كأن يشتركوا فى لغة أو قومية أو أصل مشترك.
وقصد المشرع باتحاد غير المسلمين فى الملة أن يكون كلا الزوجان من ملة واحدة كالمسيحية أو اليهودية.
وقد عرف الفقهاء الملة لغة بأنها الديانة أو العقيدة ولا ينصرف مدلولها إلى النحلة ( المذهب ).

وبرهان ذلك أن الفقه الإسلامى وكذا الشريعة الإسلامية لا تميز بين المذاهب سواء التى فى المسيحية أو التى فى اليهودية إذ تعتبر جميع المسيحيين باختلاف مذاهبهم ملة واحدة, وهكذا أيضا تعتبر اليهود وإن اختلفوا فى المذهب ملة واحدة
]وعلى عكس الملة ميز الفقه الإسلامى والشريعة الإسلامية بين الطوائف المسيحية كالقبط والسريان والروم والكلدان وغيرهم باعتبارهم أجناس مختلفة وهذا ما أخذ به المشرع المصرى
]فالإتحاد فى الطائفة والملة يقصد به أتحاد غير المسلمين فى الجنسية ( أى الطائفة ) والديانة ( أى الملة ).

فإذا غير أحد غير المسلمين من الأقباط ( أى من طائفة الأقباط ) المسيحيين ( أى من الملة المسيحية ) طائفته بأن انضم إلى طائفة السريان أو الكلدان أو الروم أو اليونان فإنه يصير مختلفا عندئذ فى الطائفة أى الجنسية. أما إذا غير ملته إلى اليهودية فيصير مختلفا عندئذ فى الملة

وهذا التغيير فى الطائفة ( الجنسية ) والملة ( الديانة ) هما اللذان اعتد بهما المشرع المصرى لإحداث أثر دون النحلة ( أى المذهب ).
]من ذلك يتضح أن المشرع بنص المادة الثالثة من مواد الإصدار يخاطب غير المسلمين متحدى الطائفة ( أى الجنسية ) والملة ( أى الديانة ) ولهم قضاء ملى منظم قبل 31 ديسمبر سنة 1955.
أما القضاء المصرى فذهب فى تفسير الطائفة والملة كل مذهب فتارة اعتبر أن المقصود باتحاد غير المسلمين فى الطائفة والملة بأنه اتحادهم فى الجنسية والمذهب وتارة بأنه الإتحاد فى الجنسية والديانة وتارة بأنه اتحادهم فى الجنسية والديانة والمذهب
وهكذا ترتب على عدم تحديد المدلول الصحيح لمعنى الطائفة والملة الخطأ فى تطبيق القانون وتأويله الأمر الذى ترتب عليه توسيع نطاق استبعاد الشريعة الخاصة عند اختلاف الزوجين فى المذهب بالمخالفة لمقاصد المشرع المصرى.
مما تقدم يتضح أن الشريعة الخاصة لغير المسلمين هى الواجبة التطبيق عند اتحادهم فى الطائفة ( أى الجنسية ) والملة ( أى الديانة ).
ثانيـا : الشريعة الواجبة التطبيق على غير المسلمين مختلفى الطائفة والملة


إنتهينا فيما تقدم إلى أن الشريعة الخاصة هى الواجبة التطبيق على غير المسلمين عند اتحادهم فى الطائفة والملة, وأن المشرع لم يحدد الشريعة الواجبة التطبيق على غير المسلمين إذا غير أحدهما الطائفة أو الملة بما يخرجه من وحدة طائفية إلى أخرى قبل أو أثناء سير الدعوى

إفترض القضاء الوطنى أن عدم إفصاح المشرع عن القاعدة الواجبة التطبيق على الزوجين غير المسلمين مختلفى الطائفة أو الملة معناه اتجاه إرادته إلى تطبيق الشريعة الإسلامية فى جميع الأحوال باعتبارها الشريعة العامة.

إلا أن هذا الإفتراض مناف للدستور والنظام العام والإتفاقيات الدولية فضلا عن أن الشريعة الإسلامية فى مسائل الأحوال الشخصية ليست شريعة عامة بل شريعة خاصة بالمسلمين تطبق وفقا لمبدأ شخصية القوانين, وعلى هذا فإن أى تغيير فى الملة والطائفة سواء كان للإسلام أو لغير الإسلام يثير حالة من حالات تنازع القوانين بين شريعة مختلفى الملة والطائفة

]ولو أن إرادة المشرع إتجهت لتطبيق الشريعة الإسلامية على غير المسلمين متى اختلفا فى الطائفة أو الملة لنص على ذلك صراحتا وهذا ما لم تتجه إليه إرادة المشرع. إذ من غير المنطقى أن تهدر شرائع غير المسلمين مختلفى الطائفة والملة لحساب شريعة ثالثة لا تمت للنزاع بصلة.

مما تقدم يتضح أن المشرع لم يحدد القاعدة القانونية الواجبة التطبيق على مختلفى الطائفة والملة.
إذن المنطق القانونى يفرض على القضاء فى حالة عدم وجود نص إعمال قاعدة تنازع القوانين المنصوص عليها فى المادة 13 مدنى بتطبيق شريعة الزوج الدينية عند اختلاف الزوجين فى الطائفة ( الجنسية ) أو الملة ( الديانة ).

وهذا التطبيق جائز قانونا. حيث أن قانون الدولة فى مصر فى مسائل الأحوال الشخصية يتحدد بحسب طائفة الشخص وملته. فشرائع غير المسلمين التى تحددها رئاستهم الدينية تصدر ولها قوة القانون الواجب التطبيق بمقتضى قوانين الدولة.

وفى جميع الأحوال وبصرف النظر عن شريعة الزوج الدينية التى سيتم إعمال أحكامها وفقا لقاعدة تنازع القوانين المتقدم بيانها. فإن أحد الزوجين لا يملك بمشئيته المنفردة أن يعدل مضمون العلاقة التى تربطه بالزوج الأخر أو أن يفرض عليه حقوقا أو ينتقص منها دون رضاه. لذلك فإن أى تغيير فى الملة يرتب إنفساخ العقد بقوة القانون لسقوط ركن جوهرى ما كان الزواج لينعقد بدونه. أما أثار الزواج فتظل خاضعة لأحكام الشريعة التى انعقد الزواج وفقا لأحكامها. لأن حق الفرد فى تغيير عقيدته لا يحله من إلتزاماته التعاقدية السابقة ولا يرتب له أى حق على الطرف الآخر دون رضاه. لأن حريته تنتهى حيث تبدأ حرية الآخرين

ذلك أن المستقر عليه فقها وقضاء وتشريعا فى مصر والعالم أن الشخص لا يملك بمشئيته المنفردة أن يعدل مضمون علاقة تربطه بآخر. لأن فى تعديله هذا إنتقاصا لحقوق الطرف الآخر دون رضاه, وهذا ما تأباه أبسط مبادىء القانون وقواعد العدالة. فإذا أتى المشرع وأباح للفرد مكنة تعديل هذه العلاقة فإنه بذلك يعطى للفرد سلطة التحكم فى حقوق الغير دون رضاه الأمر الذى تنفر منه بديهيات علم القانون, ويزيد من خطورة هذه الإباحة أنها تأتى فى نطاق أسمى وأخطر العقود وهو عقد الزواج الذى ينظم حياة الأسر التى هى اللبنة الأولى فى المجتمع البشرى.