الاستهزاء
والسخرية من المتمسكين بالدين
بسم الله الرحمن
الرحيم
الحمد لله ربِّ العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى
يوم الدين.
أما بعد، فإنه يجب على المسلم أن يعظِّم
اللهَ حقَّ عظمته، وأن يعظِّم ما عظَّمه اللهُ مما فيه ذِكرُ الله، أو القرآن، أو
الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأن يعظِّم حُرماتِ المسلمين، فلا يهتك لهم عرضًا،
ولا يسخر منهم، ولا يعيبهم، ولا يغتابهم أو ينمّ عليهم، أو يظن بهم سوءًا وهم
بريئون منه، ولا يتجسَّس عليهم ويبحث عن عيوبهم، أو يستهزئ بهم.
ويَحرُم على المسلم السخريةُ والاستهزاء بشيءٍ فيه ذِكرُ الله، أو
القرآن، أو الرسول - صلى الله عليه وسلم - فإن الاستهزاء بالله ورسوله كفرٌ مُخرِجٌ
من الدين؛ لأن أصل الدين مبنيٌّ على تعظيم الله، وتعظيمِ دينه ورسله، والاستهزاءُ
بشيء من ذلك منافٍ لهذا الأصلِ، ومناقضٌ له أشد المناقضة، فهو من نواقض الإسلام،
وتجب التوبةُ منه.
ونظرًا لتساهل كثير من المسلمين
في مجال السخرية والاستهزاء بالآخرين، ونظرًا لخطورة ذلك على دين الساخرين
والمستهزئين؛ جمعتُ هذه الرسالة في التحذير من السخرية والاستهزاء وسوء عاقبتهما،
وهي مستفادةٌ من كلام الله - تعالى - وكلام رسوله، وكلام المحقِّقين من أهل العلم،
وأسأل الله - تعالى - أن ينفع بها، وأن يعيذنا وإخوانَنا المسلمين من شرور أنفسنا
وسيئات أعمالنا، وأن يتوب علينا وعليهم وهو التواب الرحيم، وصلى الله وسلم على
نبيِّنا محمدٍ وعلى آله وأصحابه أجمعين.
( أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى
أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ
خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ
بِئْسَ الِاسْمُ الفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ
الظَّالِمُونَ ) [الحجرات: 11].
يَنهى - تعالى - عن السخرية بالناس، وهي
احتقارُهم والاستهزاء بهم؛ كما ثبت في الصحيح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
أنه قال: ((الكِبْر بطر الحق، وغمص الناس - ويروى: وغمط الناس))رواه
مسلم.،
والمراد من ذلك احتقارهم واستصغارهم، وهذا حرام؛ فإنه قد يكون المحتقَرُ
أعظمَ قدرًا عند الله - تعالى - وأحبَّ إليه من الساخر منه المحتقِر له؛ ولهذا قال
تعالى -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ
مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ
عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ) فنصَّ
على نهي الرجال، وعَطَفَ بنهي النساء.
وقوله - تبارك وتعالى -: ﴿وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ﴾؛ أي: لا تلمزوا الناس،
والهمَّاز اللمَّاز من الرجال مذمومٌ ملعون؛
قال تعالى -: ﴿وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ﴾ [الهمزة: 1]، والهمزُ
بالفعل، واللمزُ بالقول و قال عز وجل -: ﴿هَمَّازٍ مَشَّاءٍ
بِنَمِيمٍ﴾ [القلم: 11]؛
أي: يحتقر الناسَ ويهمزهم طاغيًا عليهم، ويمشي
بينهم بالنميمة، وهي اللمز بالمقال؛
ولهذا قال ها هنا: ﴿وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ﴾، كما قال: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ [النساء: 29]؛ أي: لا يقتل
بعضُكم بعضًا، قال ابن عباس، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وقتادة، ومقاتل بن حيان: ﴿وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ﴾؛ أي: لا يطعن بعضكم على
بعض.
وقوله - تعالى -: ﴿وَلَا تَنَابَزُوا
بِالأَلْقَابِ﴾؛ أي: لا تدعوا بالألقاب، وهي التي يسوء الشخصَ
سماعُها.
قال الإمام أحمد: حدثنا إسماعيل، حدثنا داود بن
أبي هند، عن الشعبي، قال: حدثني أبو جبيرة بن الضحاك، قال: فينا نزلت في بني
سلمة: ﴿وَلَا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ﴾، قال: قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينةَ وليس فينا رجل
إلا وله اسمانِ أو ثلاثة، فكان إذا دعا أحدًا منهم باسم من تلك الأسماء، قالوا: يا
رسول الله، إنه يغضب من هذا، فنزلت: ﴿وَلَا تَنَابَزُوا
بِالأَلْقَابِ﴾، ورواه أبو داود عن موسى بن إسماعيل، عن وهيب، عن داود
به.
وقوله - جل وعلا -: ﴿بِئْسَ الِاسْمُ الفُسُوقُ بَعْدَ
الإِيمَانِ﴾؛ أي: بئس الصفة والاسم الفسوقُ، وهو التنابز بالألقاب كما كان
أهل الجاهلية يغتابون بعدما دخلتم في الإسلام وعقلتموه، ﴿
وَمَنْ لَمْ يَتُبْ﴾؛ أي: من هذا، ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ
الظَّالِمُونَ﴾من "تفسير ابن كثير" 4/212..
ومن المنتسبين
للإسلام مَن استهزؤوا بكثيرٍ مما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأَمر به،
وسخِروا بمن يتأسَّى به ويطيع أمْرَه، والله - سبحانه وتعالى - يقول في حق
المستهزئين: ﴿قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ
تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾
[التوبة:65، 66].
ومن ذلك استهزاؤهم بعمود الدين (الصلاة) وبالمصلِّين - عياذًا
بالله - ومنه استهزاؤهم بالدُّعاة إلى الله وبالمتمسكين بدينه، واحتقارهم لهم،
ووصفهم إياهم بالرجعية والتخلُّف، ومنه استهزاؤهم باللحى وبمن يعفيها من المؤمنين،
وبالحجاب والمتحجبات... إلى غير ذلك؛ بل ربما تجرأ البعض فسبَّ الدين - نعوذ بالله
من ذلك كله
الاستهزاء بالله أو
آياته أو رسوله كفر
قال شيخ الإسلام أحمد بن تيمية - رحمه
الله - في الكلام على قوله: ﴿ قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ
وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ﴾: تدلُّ على أن الاستهزاء بالله كفرٌ،
وبالرسول كفرٌ، من جهة أن الاستهزاء بالله وحده كفر بالضرورة، فلم يكن ذِكر الآيات
والرسول شرطًا، فعُلِم أن الاستهزاء بالرسول كفر، وإلا لم يكن لذِكره فائدة، وكذلك
الآيات.
وأيضًا فالاستهزاء بهذه الأمور متلازم، والضالُّون مستخفُّون بتوحيد
الله - تعالى - يعظِّمون دعاء غيره من الأموات، وإذا أُمروا بالتوحيد، ونُهوا عن
الشرك، استخفُّوا به؛ كما قال - تعالى -: ﴿وَإِذَا رَآكَ
الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا﴾ الآية [الأنبياء:
36]، فاستهزؤوا بالرسول - صلى الله عليه وسلم - لما نهاهم عن الشرك، وما زال
المشركون يسبُّون الأنبياء، ويصِفونهم بالسفاهة والضلال والجنون إذا دعَوْهم إلى
التوحيد؛ لما في أنفسهم من عظيم الشرك.
وهكذا تجد من فيه شَبَهٌ منهم، إذا رأى
من يدعو إلى التوحيد استهزأ بذلك؛ لما عنده من الشرك؛
قال الله - تعالى -: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْدَادًا
يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ﴾ [البقرة: 165]، فمن أحب مخلوقًا مثل ما يحب
الله، فهو مشرك.
ويجب الفرق بين الحب في الله والحب مع الله.
فهؤلاء الذين
اتَّخذوا القبور أوثانًا، تجدهم يستهزئون بما هو من توحيد الله وعبادته، ويعظِّمون
ما اتخذوه من دون الله شفعاءَ، ويحلف أحدُهم اليمينَ الغموس كاذبًا، ولا يجترئ أن
يحلف بشيخه كاذبًا.
وكثير من طوائف متعددة ترى أحدَهم يرى أن استغاثته بالشيخ -
إما عند قبره أو غير قبره - أنفعُ له من أن يدعو الله في المسجد عند السَّحر،
ويستهزئ بمن يعدل عن طريقته إلى التوحيد، وكثيرٌ منهم يخربون المساجد ويعمرون
المشاهِد، فهل هذا إلا من استخفافهم بالله وبآياته ورسوله، وتعظيمهم
للشرك؟
من هزل
بشيء فيه ذكر الله أو القرآن أو
الرسول( فهو
كافر)
أن السخرية والتهكُّم والاستهزاء بالإسلام والمسلمين
كفرٌ ينافي التوحيد؛
قال تعالى -: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ
لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ
وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ
إِيمَانِكُمْ﴾ [التوبة: 65، 66].
وشرح هذه الآية أن الله عز وجل يقول
لرسوله محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -: إنكَ لو سألتَ أولئك المنافقين الذين
تكلَّموا في حقِّك وفي حق أصحابك بما لا يليق من الاستهزاء والسخرية، ليقولُن لك يا
محمد معتذرين: إنما كنا نخوض ونلعب، ونتحدَّث حديثَ الركْب؛ لنقطع به الطريق، ولم
نقصد الاستهزاء، لكن أخبِرْهم أن معذرتَهم لا تغني عنهم من عذاب الله شيئًا، وأنهم
بهذا التهكم والاستهزاء قد كفروا بعد إيمانهم.
ويستفاد من الآية: تحريمُ
الاستهزاء بالدين وأهله، وأنه كفر.
"عن ابن عمر، ومحمد بن
كعب، وزيد بن أسلم، وقتادة - دخل حديثُ بعضهم في بعض -: أنه قال رجل في غزوة تبوك:
ما رأينا مثلَ قرَّائنا هؤلاء، أرغب بطونًا، ولا أكذب ألسنًا، ولا أجبن عند اللقاء
- يعني: رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابَه القرَّاء - فقال له عوف بن
مالك: كذبتَ ولكنك منافق، لأخبرنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فذهب عوفٌ
إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليخبره، فوجد القرآنَ قد سبقه، فجاء ذلك
الرجلُ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد ارتحل وركب ناقتَه، فقال: يا رسول
الله، إنما كنا نخوض ونتحدث حديث الركب؛ نقطع به عنا الطريق، قال ابن عمر: كأني
أنظر إليه متعلقًا بنسعة ناقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإن الحجارة تنكب
رجليه وهو يقول: إنما كنا نخوض ونلعب، فيقول له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
((﴿أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ
* لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾)) ما يلتفت إليه،
وما يزيده عليه"رواه ابن جرير، وابن أبي حاتم
السخرية والاستهزاء بالمسلم من كبائر
الذنوب
ومنها السخرية والاستهزاء بالمسلم؛ قال الله تعالى -:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ
قَوْمٍ} الآية [الحجرات: 11]،
وقد أجمع العلماء على تحريم ذلك، وفي كونه
كبيرة مجال للنظر، مع أنه قد روي عن ابن عباس في قوله - تعالى -: {لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا}
[الكهف: 49]، قال: الصغيرة التبسم، والكبيرة الضحك على حالة الاستهزاء، وهذا تصريح
بأن ذلك من الكبائر، وقال الغزالي في قول ابن عباس هذا إشارة إلى أن الضحك على
الناس من الجرائم والذنوب.
واعلم أن معنى السخرية الاستحقارُ والاستهانة،
والتنبيه على العيوب والنقائص على من يضحك منه، وقد يكون ذلك بالمحاكاة في الفعل
والقول، وقد يكون بالإشارة والإيماء، وقد يكون بالضحك، كأنْ يضحك على كلامه إذا
تخبط فيه أو غلط، أو على صنعته، أو قبح في صورته، ونحو ذلك، وقد خرَّج البيهقي عن
الحسن البصري - رحمه الله -
عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن المستهزئين بالناس لَيُفتحُ لأحدهم بابُ الجنة، فيقال: هلمَّ،
فيجيء بكربه وغمِّه، فإذا جاء أُغلق دونه، ثم يفتح له باب آخر، فيقال: هلم هلم،
فيجيء بكربه وغمه، فإذا جاء أغلق دونه، فما يزال كذلك حتى إن الرجل ليفتح له الباب،
فيقال: هلم هلم، فلا يأتيه من اليأس)) انتهى.
وقال بعض أئمة التفسير في
قوله - تعالى -: {بِئْسَ الِاسْمُ الفُسُوقُ بَعْدَ
الإِيمَانِ} [الحجرات: 11]: من لقب أخاه وسخر منه، فهو فاسق، حكاه
القرطبي.
س1: أرى كثيرًا من الشباب إذا رأوا
الشابَّ المحافظ على صلاته ودينه يستهزئون به، وأرى كذلك بعض الشباب - هداهم الله -
يتكلمون عن الدين باستهتار وعدم مبالاة، فما القول في ذلك؟ وهل تجوز مجالستُهم
والمرح معهم في أوقات ليس فيها وقت صلاة؟
جـ1: الاستهزاء بالإسلام أو بشيء منه كفرٌ أكبر؛
قال الله
- تعالى -: ﴿قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ
تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾
الآية [التوبة:65، 66]،
ومن يستهزئ بأهل الدين والمحافظين على الصلوات؛ من أجل
دينهم ومحافظتهم عليه - يعتبر مستهزئًا بالدين؛ فلا تجوز مجالسته ولا مصاحبتُه؛ بل
يجب الإنكارُ عليه والتحذير منه ومن صحبته، وهكذا من يخوض في مسائل الدين بالسخرية
والاستهزاء يعتبر كافرًا؛ فلا تجوز صحبتُه ولا مجالسته؛ بل يجب الإنكار عليه
والتحذير منه، وحثُّه على التوبة النصوح، فإن تاب فالحمد لله، وإلا وجب الرفع عنه
إلى ولاة الأمور بعد إثبات أعماله السيئة بالشهود العدول؛ حتى ينفذ فيه حكم الله من
جهة المحاكم الشرعية، وبكل حال فهذه المسائل مسائلُ خطيرةٌ يجب على كل طالب علم،
وعلى كل مسلم عرَف دينه، أن يحذرها، وأن يحذر من يخوض في مسائل الدين بالسخرية
واللعب؛ لئلا يصيبَه ما أصابه من فساد العقيدة والسخرية بالحق وأهله.
إجابة
الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز (مجلة الدعوة، عدد 978).
س2: ما حكم الاستهزاء بالملتزمين بأوامر الله
ورسوله؟
ج2: الاستهزاء بالملتزمين بأوامر
الله ورسوله؛ لكونهم التزموا بذلك - محرَّمٌ وخطير جدًّا على المرء؛ لأنه يخشى أن
تكون كراهتُه لهم لكراهة ما هم عليه من الاستقامة على دين الله، وحينئذٍ يكون
استهزاؤه بهم استهزاءً بطريقهم الذي هم عليه، فيشبهون من قال الله عنهم: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ
وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا
تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾ [التوبة:65،
66].
فإنها نزلتْ في قوم من المنافقين قالوا: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء - يعنون
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه - أرغب بطونًا، ولا أكذب ألسنًا، ولا
أجبن عند اللقاء، فأنزل الله فيهم هذه الآية، فليحذر الذين يسخرون من أهل الحق
لكونهم من أهل الدين؛ فإن الله - سبحانه وتعالى -
يقول: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا
يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى
أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ
لَضَالُّونَ * وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ * فَالْيَوْمَ الَّذِينَ
آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ * هَلْ
ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المطففين: 29 - 36]من رسالة
"أسئلة مهمة"، للشيخ محمد بن صالح العثيمين، ص8.ا.
نسأل الله
للمسلمين جميعًا العافية من كل ما يخالف شرعه، كما نسأله سبحانه أن يعافي المسلمين
جميعًا من شر أعدائهم من الكفرة والمنافقين، وأن يعينهم على التمسُّك بكتابه -
سبحانه - وسنَّة نبيِّه - صلى الله عليه وسلم - في جميع الأحوال، إنه جواد كريم