| تاريخ المساهمة 16.09.11 11:20 | |
السؤال الأول 1. ما هو المقصود بالتصوف الإسلامي ؟ 2. وهل مورس هذا التصوف في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ 3. ولماذا يختلفون في تعريف التصوف ؟ 4. ولماذا يختلفون في تحديد مصادره ؟ الجواب : 1- المقصود بالتصوف الإسلامي ، يعرف من تعريفاته كثيرة :
التي تتلخص كلها في أن : " التصوف هو : التخلي عن كل دَنِى ، والتحلي بكلى سني "
سلوكاً إلى مراتب القرب والوصول ، فهو إعادة بناء الإنسان ، وربطه بمولاه في كل فكر ، وقول ، وعمل ، ونية ، وفي كل موقع من مواقع الإنسانية في الحياة العامة " . ويمكن تلخيص هذا التعريف في كلمة واحدة ، هي : ( التقوى ) في أرقى مستويات الحسية ،والمعنوية . فالتقوى عقيدة ، وخٌلق ، فهي معاملة الله بحسن العبادة ، ومعاملة العبادة بحسن الخلق ، وهذا الاعتبار هو ما نزل به الوحي على كل نبي ، وعليه تدور حقوق الإنسانية الرفيعة في الإسلام . وروح التقوى هو ( التزكي ) و ] قد افلح من تزكى [ " سورة الأعلى ، الآية : 14 . و ] قد أفلح من زكاها [ " سورة الشمس ، الآية : 9 ". 2- وبهذا المعنى تستطيع أن تستيقن بأن التصوف قد مُورس فعلاً في العهد النبوي ، والصحابة ، والتابعين ، ومن بعدهم . وقد امتاز التصوف مثلاً بالدعوة ، والجهاد ، والخلق ، والذكر ،والفكر ، والزهد في الفضول ، وكلها من مكونات التقوى ( أو التزكي ) وبهذا يكون التصوف مما جاء به الوحي ، ومما نزل به القرآن ، ومما حثت عليه السنة ، فهو مقام ( الإحسان ) فيها ، كما أنه مقام التقوى في القرآن والإحسان في الحديث : مقامُ الربانية الإسلامية ، يقول تعالى : ] كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون [ " سورة آل عمران ، الآية : 79 . هذا هو التصوف الذي نعرفه ، فإذا كان هناك تصوف يخاف ذلك ، فلا شأن لنا به ، ووزره على أهله ، ونحن لا نُسأل عنهم فــ " كل امرئ بما كسب رهين " والمتصوف شيء ، والوفي شيء آخر . 3-أما الاختلاف في تعريف التصوف، فهو راجع إلى منازل الرجال في معارج السلوك ، فكل واحد منهم ترجم أساسه في مقامه ، وهو لا يتعارض أبداً مقام سواه ؛ فإن الحقيقة واحدة ، وهي كالبستان الجامع ، كلٌ سالك وقف تحت شجرة منها فوصفها ، ولم يقل إنه ليس بالبستان شجرٌ سواها ومهما اختلفت التعريفات ، فإنها تلتقي عند رتبة من التزكي والتقوى : أي الربانية الإسلامية ، أي ( التصوف ) على طريق الهجرة إلى الله ] ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين [ " سورة الذرايات ، الآية 50 – وقال : ] إني مهاجر إلى ربى [ " سورة العنكبوت ، الآية : 26 " . فالواقع أنها جميعاً تعريف واحد ، يُكمل بعضه بعضاً . 4-أما الاختلاف في تحديد مصادر التصوف ، فدسيسة من دسائس أعداء الله ؛ فالتصوف كما قدمنا " ربانية الإسلام " ، فهو عبادة ، وخلق ، ودعوة ، واحتياط ، وأخذ بالعزائم ، واعتصام بالقيم الرفيعة ، فمن ذا الذي يقول : إنه هذه المعاني ليست من صميم الإسلام ؟ إنها مغالطات ، أو أغالط نظروا فيها إلى هذا الركام للدخول على التصوف من المذاهب الشاذة ، أو الضالة ، ولم ينظروا إلى حقيقة التصوف . والحكم على الشيء بالدخول عليه / غلطٌ أو مغالطة . والحكم على المجموع بتصرف أفراد انتسبوا إليه صدقاً أو كذباً : ظلم مبين .. وهل من المعقول أن يترك المسلمون إسلامهم مثلاً لشذوذ طائفة منهم تشرب الخمر ، أو تمارس الزنا ، أو تحلل ما حرم الله ؟ وهل عملُ هؤلاء يكون دليلاً على أن الإسلام ليس من عند الله ؟! .... شيئاً من التدبر أيها الناس !!! . 1. من هو الصوفي ؟
2. وبماذا يمتاز عن عامة المسلمين ؟ 3. وهل هناك فرق بينه وبين التقي ، أو المؤمن ، أو المسلم ، أو الصديق ؟
4. وإذا لم يكن هناك فرق ، فلماذا الإصرار على استخدام الاصطلاح ؟
الجواب : [right]1-تستطيع أن تعرف الصوفي الحق ، بأنه المسلم النموذجي ، فقد اجمع كافة أئمة التصوف على أن التصوف هو الكتاب والسنة ، في نقاء وسماحة واحتياط ، وشرطه أئمة التصوف في مريديها أخذاً من قوله تعالى : ] ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون [ " سورة آل عمران ، الآية 79 "
والعلم هنا أولاً : علم الدين بدعامتيه " الكتاب والسنة " ، ثم هما بدورهما منبع كل علم إنساني نافع ، على مستوى كافة الحضارات ، وتقدم البشرية ، مقتضى تطور الحياة . فالتصوف إذن هو : ربانية الإسلام الجامعة للدين والدنيا ( قال الشيخ شهاب الدين أبو حفص عمر بن محمد السهروردي رحمه الله تعالى : " إن الصوفي من يضع الأشياء في مواضعها ويدبر الأوقات ، والأحوال كلها بالعلم ، يقيم الخلق مقامهم ، ويقيم أمر الخلق مقامه ، ويَستر ما ينبغي أن يُستر ، ويُظهر ما ينبغي أن يظهر ، ويأتي بالأمور من مواضعها بحضور عقل ، وصحة توحيد ، وكمال معرفة ، ورعاية صدق وإخلاص " { راجع الخطط التوفيقية لــ " علي باشا مبارك رحمه الله تعالى جـ1 ص90 طبع المطبعة الأميرية سنة 1305 هـ } . ومن هنا جاء قول أئمة التصوف ، وفي مقدمتهم ( الجنيد ) : " من لم يَحصل علوم القرآن والحديث ، فليس بصوفي " ،وأجمع على ذلك كل أئمة التصوف ، من قبل ومن بعد ، وتستطيع مراجعة نصوص أقوالهم عند القشري ، والشعراني ، ومن بينهما ، ومن بعدهما . 2-أما الامتياز عن عامة المسلمين ؛ فالقاعدة الإسلامية هنا هي المل ؛ فإذا عمل الصوفي بمقتضى ما تتمين عليه كقدوة وداعية ، امتاز بمقدار جهده ، شأن كل متخصص وإلا فهو دون كل الناس إذا انحرف أو شذ ، بل إن تجاوز . فالصوفية يجعلون خلاف الأولى في مرتبة الحرام اتقاءً للشبهات ، واستبراءٌ للعرض والدين "ومن نصوص الحديث – كما في الفتح الكبير قوله e : { الحلال بٍين والحرام بين ، وبينهما أمور متشبهات لا يعلمها كثير من الناس ، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لعرضه ودينه ، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام ، كراع يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه ، ألا وإن لكل مَلك حمى ، ألا وإن حمى الله تعالى في أرضه محارمه ، إلا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ، ألا وهي القلب ] . " رواه الأربعة ، والبخاري ومسلم " . وهم يعرفون كيف أن السلف كانوا يتركون تسعة أعشار الحلال : خوف الوقوع في الحرام ، فهم يؤمنون بهذا ، ويحاولون العمل به . والله تعالى يقول : ] ولكل درجات مما عملوا [ " هو من كلام سيدنا عمر " ، فهم يؤمنون بهذا ويحاولون العمل به . 3- أما مسألة الفرق بين الصوفي ، والمسلم ، والمؤمن ، والتقي : فإن الإسلام شرع لنا تعريف الناس بخصائصهم ، وذكرهم بما يميزهم عن غيرهم ، وقد ذكر الله المهاجرين والأنصار بخصيصتهم : تعريفاً ، وهم مسلمون مؤمنون أتقياء ، وذكر رسول الله e بلالاً الحبشي ، وصهيباً الرومي ، وسلمان الفارسي بما يميزهم من الألقاب ، وهم مسلمون مؤمنون أتقياء . وذكر القرآن من المسلمين أصنافاً : الخاشعين ، والقانتين ، والتائبين ، والمتصدقين ، والعادين ، والخامدين ، والسائحين وغيرهم ، وكلهم من أهل ] لا إله إلا الله [ . إذن ، فذكر إنسان بخصيصة عُرف بها عند الناس ، سنة قرآنية ونبوية ، وما دامت هذه الطائفة ، قد عرفت باسم الصوفية لسبب أو لآخر ، فليس بدعاً أن تُدعى بهذا الاسم . ثم لماذا كل هذه الزوبعة هنا ، ولا تكون هناك زوبعة حين يقال (سلفية) ؟! ـو (أزهرية) ، أو (وهابية) ، أو (شافعية) ، أو (مالكية) ، أو(حنبلية) ؟! وهل كان فيما مضى ( جمعية كذا – أو جماعة كذا ) ؟ أرأيت أن الأمر كان أهون من أن يكون سؤالاً ، لولا المذهبية المدمرة ، والتعصب الموبق 1؟ ما رأيكم فيما يوجه للتصوف من اتهام بأنه يعود في أصوله الأولى للبوذية ؟ والمجوسية ؟ والرهبانية ... إلخ ؟
الجواب :
قدمت أن التصوف الإسلامي ، هو الربانية ، فهو : إيمان وعمل ، وعبادة ، ودعوة ، وأخلاق ، وبر مطلق . وهو إرادة وجه الله في كل قول وعمل ، أو نية ، أو فكر ، دنيوي أو أخروي ، وهو التساوي بالبشرية إلى مستوى الإنسانية الرفيعة ، فهو وحى من الوحي ، وهو الدين كل الدين ؛ لأنه بهذا الوصف ( طلب الكمال ) ، وطلبُ الكمال فرض عين ، وهو علاج لأمراض النفوس ، وما من إنسان إلا وهو مبتلى بجانب – قل أو كثر – من النقص الذي نسميه : مرض النفس ، أو الخلقُ ، وإنما جاءت رسالات السماء كلها لعلاج هذه الأمراض النفسية والخلقية أول ما تعالج في بني أدم .
ولما كان التصوف قد تخصص في هذا الجانب ، كان طلبهُ فرضاً شرعياً ، وعقلياً ، وإنسانياً واجتماعياً – حتى يوجد الإنسان السوي الذي به تتسامى الحياة ، وتتحقق خلافة الله على أرضه ، وينتشر الحب والسماحة بين الناس ، وتأخذ الحضارة والتقدمية روحهما الإيماني المحقُق لمراد الله . وأدلة ذلك جميعاً مما لا يغيب عن صغار طلبة العلم ، ومما تزخر به علوم الكتاب والسنة . ولا أعرف أن الكتاب والسنة نقلاً عن المجوسية ، والبوذية والرهبانية شيئاً أبداً ، وإنما هو الغل المورث للتهم الكواذب ، وتضليل خلق الله . أما إذا كان المراد بالتصوف في السؤال ، هو هذه الفلسفات الأجنبية عن العقيدة والشريعة ، فهذا باب آخر ، لا علاقة له بتصوف أهل القبلة ، والاحتجاج بهؤلاء علينا فيه تلبيس الحق بالباطل ، ثم إن أخذ البريء بذنب المجرم : فعلة دنيئة . على أن الذين اشتهروا بهذا الجانب الفلسفي ، ممن ينسبون إلى التصوف ، عدد محدود ، قد لا يجاوز العشرة ، وسواء قبلت فلسفتهم التأويل والتوجيه – ولو من وجه ضعيف – أو لم تقبل ، فهؤلاء ، وقد أصبحت كتبهم بما فيها من الأفكار أشبه بنواويس الموتى : تُعرض – إذا عُرضت – للزينة ، أو التاريخ والعبرة ، فليس بين صوفية عصرنا من يرى رأيهم ، أو يذهب مذهبهم ، سواء على ظاهره ، أو على تأويله .
وأين فكرٌ الجماهير من العمال والفلاحين ، وأنصاف المتعلمين ، أو حتى كبار المثقفين ، من كتب هؤلاء وألغازهم وأحاجيهم ؟! هذا وإذا أمكن الحصول على الكتب وعلى والوقت ، وليس المر كذلك ، ولا شك أن الوقوف عند هذا الجانب في هذا العصر : نوع من البحث الأثري ، عن الحفريات المجهولة ، في سراديب الرموس والأجداث : عصبية وحمية . والغاضبون على التصوف جميعاً يحتجون بهؤلاء ، وقد انتهي أمر هؤلاء ، فقد كانت مذاهبهم شخصية ، لا تجد طريقها إلى الجماهير ، لحاجتها إلى استعدادات وقابليات ومدارك ، ومنطق لا يوافق لدى الكافة ومؤاخذة الخلف بفعل السلف- لو سلمنا جدلاً بأنهم سلف – أمر بعيد عن العلم والعدل . والحكم على الكل بذنب البعض – لو سلمنا بهذه البعضية – أمر بعيد عن العلم والعدل . ولو أننا إخواننا ( خصوم التصوف ) . نظروا إلى الواقع الفعلي . فكافحوا معنا منكرات العصر ومبتدعاته ، من نحو : الطبل ، والزمر ، والرقص ، وتحريف أسماء الله ، وغير ذلك من مناكر المواد ، والتجمعات العامة ، وأخذوا طريق التعاون بالحسنى ، والدعوة بالحكمة ، لكان هذا أدنى إلى الصواب وأهدى سبيلاً ، عند الله والناس . أما حملتهم على هؤلاء الموتى ، ممن جنحوا إلى الفلسفة ، فاستئساد على الرمم ، وصيال في غير مجال ، ومبارزة مع الهواء الطلق ؛ فهؤلاء الموتى ، ما يملكون الدفع عن أنفسهم ، وليس من ورائهم وراث يدافع عنهم ، إلا – إذا وجد – لمجرد التصويب وإحسان الظن بأهل القبلة ، أو لمجرد الثقافة والتاريخ . وهنا أقر بملء الثقة واليقين ، أنًّ كل ما جاء منسوباً إلى التصوف مما يخالف الكتاب والسـنة ، مهما كان مصـدره ، فليس – فيما نرى – من ثمرة الإسـلام بوصـفه مقام ( الإحسان ) الذي سجله الحديث النبوي المشهور ، كما قدمنا ،وهو في تساميه أبعد من لهو الفلسفة وعبثها ، وإن تأولت .
|
|
| |
| |