بالأدلة والأسانيد من أقوالهم وكتبهم..علماء الدين يحذرون:- جهال الصوفية يقدسون شخص الرسول صلى الله عليه وسلم. - عقيدة أهل السنة والجماعة في الرسول صلى الله عليه وسلم أنه بشر معصوم يوحى إليه.- هذه نماذج صارخة من أقوال غلاة الصوفية؛ بما يخالف القرآن والسنة.- ما هي الحقيقة المحمدية التي يدعيها الصوفية؟- ما واجبنا نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ كتبه: جلال الشايب*
حذر علماء الإسلام من
تصديق أكاذيب وخرافات غلاة الصوفية عن شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم،
حتى أنهم أنزلوه منزلة لا يرضاها الله ورسوله من التنزيه والتقديس
والتأليه؛ مما يعد ضربًا من ضروب الشرك، وأشاروا إلى أن منهج أهل السنة
والجماعة في النظر إلى شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم أنه بشر يوحى إليه؛
هي الوسطية التي أمرنا بها الإسلام في النظرة إلى شخصية رسولنا الكريم صلى
الله عليه وسلم دون توهين أو تهويل، واستشهدوا بنماذج صارخة مما يردده
ويرجوه أهل الصوفية وغلاتهم حول الرسول صلى الله عليه وسلم وشخصه، وذلك حتى
لا يقع عامة المسلمين في هذا الخطأ العقدي وهم يزعمون حبه صلى الله عليه
وسلم.التصور الإسلامي لشخص الرسول صلى الله عليه وسلم :في البداية يؤكد
الدكتور عطية عدلان أستاذ الفقه وأصوله بجامعتي الأزهر والمدينة المنورة
على أن العقيدة الإسلامية تتميز عن غيرها من العقائد السماوية والوضعية
بالوضوح التام، والبساطة الشديدة، والاتفاق مع العقل السليم والفطرة
السوية، فليس فيها أدنى تعقيد، ولا أقل شائبة التباس ولو قليل منالطلاسم،
لأنها ليست من صنع البشر، وإنما هي ربانية المصدر، سوية نقية، ليس فيها
تكلف ولا تعقيد، ولا تخليط ولا تحريف، وهو ما وصفه الله تعالى بقوله:{وَكَذَلِكَ
أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا
الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ
مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ
مُسْتَقِيمٍ} [الشورى: 52].وعندما تدخلت يد البشر
من المتصوفة وغيرهم من غلاة المذاهب المختلفة بالتعديل أو التحوير فكانت
النتيجة الحتمية هي الفساد، وما فسد شيء من هذه العقيدة في يوم من الأيام
إلا وكان السبب الرئيس هو التدخل البشرى. وأشار الدكتور عدلان إلى أن التصور
الإسلامي لشخص رسول الله صلى الله عليه وسلم ولمكانته ومنـزلته، ولواجب
المسلمين تجاهه جزء لا يتجزأ من العقيدة الإسلامية، ولم يختلط بشيء يخالف
الفطرة السوية، ولم يَشُبْه ما شاب كثيرًا من التصورات من خرافات وأباطيل
غلاة الصوفية.فالرسول صلى الله عليه وسلم عند أهل السنة والجماعة بشر، يأكل ويشرب ويمشى في الأسواق:وهو ما ورد في كتاب ربنا: {قُلْ
إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ
إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا
صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110]، وقوله: {وَقَالُوا
مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ
لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا} [الفرقان: 7].وأنه محكوم عليه بالموت مثل البشر، وذلك بقوله: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر: 30]، ولم يكن ملكًا من الملائكة ولم يدَّعِ ذلك، ولم يكن إلهًا ولا ابنًا للإله كما زعمت النصارى بالنسبة لعيسى رسول الله عليه السلام، وأكد القرآن على ذلك بقوله: {قُلْ
إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ (81)
سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا
يَصِفُونَ} [الزخرف: 81-82].وكذلك لم يكن
رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم من الغيب شيئًا ـ كما يدعي الصوفية ـ
إلا ما أطلعه الله تعالى عليه، كما أنه لم يكن يملك من خزائن الله ولا من
أمره شيئًا إلا اتباعه لما أوحي إليه، فضلًا عن كونه لم يكن بيده نفع ولا
ضر لنفسه ولا لغيره، ولم يدَّعِ شيئًا من ذلك، وما أكده القرآن بخصوص ذلك
كثير، منه على سبيل المثال قول ربنا سبحانه في سورة الأنعام:{قُلْ
لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ
وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى
إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا
تَتَفَكَّرُونَ} [الأنعام: 50]، وقول
ربنا في سورة الأعراف: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا
إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ
مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ
وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [الأعراف: 188].صفات الرسول عند أهل السنة:وأكد الأستاذ حامد أبو
طالب عضو مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر الشريف، على أن شخصية الرسول صلى
الله عليه وسلم عند أهل السنة والجماعة أنه بشر ذو طبيعة خاصة ومعصوم من
الخطأ، ومع هذا فهو لا يملك الهداية التي هي بمعنى تحريك القلوب وشرح
الصدور وحمل العباد على الاهتداء، بل هي لله تبارك وتعالى وحده، وما على
الرسول إلا البلاغ والتذكير، وقد أكد القرآن هذا المعنى في: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [القصص: 56]، وقوله: {مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا} [الكهف: 17]، وقوله أيضًا: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} [الغاشية:21-22].وتعجب الدكتور أبو طالب
من نغمة التقديس والإطراء الشديد الذي يقوم به بعض المتصوفة لشخصية الرسول
صلى الله عليه وسلم رغم أنه ليس في كتاب الله تعالى ولا في حديثه صلى الله
عليه وسلم ما يشير من قريب أو بعيد إلى خلاف الحقيقة التي شهد بها الواقع،
ونقلتها أجيال الأمة نقلًا متواترًا من أن رسول اللهصلى الله عليه وسلم بشر كسائر البشر، خلق مما خلق منه البشر، وعاش كما يعيش البشر، وكان يخضع كسائر البشر للنواميس الإلهية التي تحكم الطبيعة البشرية.وأكد الدكتور حامد أبو
طالب على أن كون الرسول صلى الله عليه وسلم من البشر لا يعد فيه أدنى تنقيص
له؛ لأن الطبيعة البشرية ليست بذاتها سافلة، وإنما يأتيها السفول من
الانحراف عن الفطرة السوية التي فطرها الله تعالى عليها من القيم، وقد ظهر
ذلك جليًّا في قول الله تعالى:{لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي
أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5) إِلَّا
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [التين: 4-6]،
ولأن مجرد التميز عن الطبيعة البشرية لا تتجلى فيه العظمة بقدر ما تتجلى في
أن يسمو صاحب الطبيعة البشرية على سائر البشر بصفائه وشمائله، وأخلاقه
وفضائله، وكمال عبادته لربه وطاعته لله. فهو حقًّا كان بشرًا؛ ولكنه امتاز عن سائر البشر بالعصمة، ومع
ذلك كان هذا التميز والكمال بشرى لا يجاوز النواميس التي تحكم الطبيعة
البشرية، فلقد وهب الله تبارك وتعالى رسول الله صلى الله عليه وسلم درجة
عالية متميزة في خِلْقَته البشرية، فكان في هيئته على نحو فريد متميز، كما
روى الصحابة عنه أوصافه الرائعة التي رسمت لنا صورة الرسول صلى الله
عليه وسلم، وذلك لأن بشريته صلى الله عليه وسلم هي الأنسب لرسالته،
فرسالته صلى الله عليه وسلم هي الهداية والتربية وتعبيد الخلق للخالق، وهذه
المهمة العظيمة لا يمكن أن يقوم بها بمصداقية وواقعية إلا إنسان يعاني
التجربة البشرية بتمامها، ويخوض غمار الصراع مع هواتف الجسد ونداء الشهوة
ثم ينتصر ويسمو بمنهج الله تعالى؛ فيكون بذلك قدوة لبني البشر، وتقوم به
الحجة عليهم، وتحقق به الأسوة لهم؛ ويكفي في ذلك قول الله تعالى: {قُلْ
لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ
لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا} [الإسراء: 95].ويعود الدكتور أبو طالب
متعجبًا ويقول: لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مخلوقًا من النور كما
يزعم بعض غلاة المخرفين من الصوفية والشيعة وغيرهم، أو كان بطبيعة بشرية
مخالفة لطبائع البشر كما يدعون، لما تحققت الحكمة من بعثته بتمامها، ولما
تحقق فيه قول اللهتعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ
اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ
وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21].بشرية الرسول المتميزة:وقال الأستاذ الدكتور
أحمد حسني عميد كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر، رغم أن الرسول صلى
الله عليه وسلم استحق ـ وهو بشر ـ أن ينال من الخصائص ما لم يُتَحْ لأحد من
الأولين والآخرين، فهو صلى الله عليه وسلم صاحب الشفاعة العظمى، والمقام
المحمود، والحوض المورود، وهو صاحب الوسيلة، وبيده لواء الحمد يوم القيامة،
وهو سيد ولد آدم وأكرم الأولين والآخرين، إلا أننا نتعجب ممن يغالون في
أوصاف النبي صلى الله عليه وسلم وصفاته استنادًا إلى أحاديث صحيحة اتخذوها
وسيلة لتبرير مغالاتهم، مثل قول النبي:(أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ
يَومَ الْقِيَامَةِ وَلا فَخْرَ، وبِيَدِي لِوَاءُ الْحَمْدِ وَلا فَخْرَ،
وَمَا مِنْ نَبِيٍّ يَوْمَئِذٍ آدَمَ فَمَنْ سِوَاهُ إِلا تَحْتَ لِوَائِي)[1] ، فإذا بغلاة الصوفية يضعون أقطابهم ومشايخهم فوق مكانة النبي وقدره صلى الله عليه وسلم؛ فلقد نسب إلى أبي
اليزيد البسطامي قولة متجرئة على رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تالله إن
لوائي أعظم من لواء محمد صلى الله عليه وسلم، لوائي من نور تحته الجان،
والجن والإنس كلهم من النبيين)، وجاء ذلك في الإنسان الكامل للجيلي.وأوضح الدكتور حسني أن الذي تصرح به كتب غلاة الصوفية شيءمختلف تمامًا عن حقيقة الرسول صلى الله عليه وسلم في الكتاب والسنة، فمثلًا (الحقيقة المحمدية) عندهم شيءمباين
تمامًا لما عرفته الأمة وتناقلته أجيالها عن صورة النبي صلى الله عليه
وسلم وحقيقته، ومن يتأمل تلك الخرافات يخيل إليه أنهم لا يتحدثون عن الرسول
صلى الله عليه وسلم؛ وإنما يتحدثون عن حقيقة وهمية كتلك الصورة التي رسمها
خيال النصارى للمسيح عليه السلام وأطلقوا عليه: الرب يسوع ابن الله.فالمتصوفة جعلوا ما
أطلقوا عليه "الحقيقة المحمدية" ضامة لجميع الذوات، وهادية بأمر الله، ولا
يحدث أمرًا إلا بإذنه، وهي قديمة قدم الخالق، وهي خلق دون إيحاء، إذ هي
الوجه المتعين للنور الأول، ووصفوا تلك الحقيقة المحمدية بأنها "المظهر
الكامل للذات الإلهية والأسماء والصفات، ومن تصفح كتبهم يجد الكثير من مثل
هذا الدجل المليء بالألغاز الفلسفية و(الطلاسم) اللاهوتية.خرافات غلاة الصوفية:ولفت الأستاذ الدكتور
الأحمدي أبو النور أستاذ الحديث وعلومه بجامعة الأزهر، ووزير الأوقاف
المصرية الأسبق، النظر إلى أن الصوفية أنزلوا أقطابهم وأولياءهم منزلة أكبر
وأكثر بكثير من تلك التي تحدثوا عن الرسول صلى الله عليه وسلم بها، حتى أن
المتصفح والمدقق في كتبهم ليجد أن كلامهم عن الأئمة والأولياء هو الأصل
القديم، وأن كلامهم عن الحقيقة المحمدية جاء لإحداث التوازن والتناسق في
الصورة العامة أمام جموع المسلمين، وحتى لا تؤخذ عليهم فلا يجدوا ردًّا على
ذلك، وشأنهم في ذلك شأن الشيعة.كما أشار الدكتور
الأحمدي إلى أن من منهجهم عدم وضع معالم بارزة لتلك البدع والخرافات من
الأسماء والصفات التي جعلوها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتركوها مرنة
فضفاضة يشكلها كل صوفي حسبما يوحى إليه خياله المريض، وينفخ فيها كل ملهوس
بقدر ما يملي عليه الشيطان من الأوهام والوساوس والظنون؛ فكانت النتيجة أن
تضاعف الغلو في تلك "الحقيقة المحمدية" ـ المخترعة في الأصل ـ إلى حد يزرى
بالعقل ويشوه الحق، ويشمت العدو في دين الله، ويفتح الباب على مصراعيه لكل
طاعن وكل متربص.نماذج صارخة:واستشهد الأستاذ
الدكتور عبد المهدي عبد القادر أستاذ الحديث بكلية أصول الدين جامعة الأزهر
بنماذج من أقوال الصوفية في كتبهم حول "شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم"
مثل ما قاله البيطار في كتابه "النفحات الأبجدية": (لا يُدرى لحقيقته غاية،
ولا يُعلم لها نهاية، فهو من الغيب الذي نؤمن به)، وقولهم: (شأن محمد في
جميع تصرفاته شأن الله، فما الوجود إلا محمد)، ومثل جاء في كتاب "الإبريز"
للدباغ: (اعلم أن أنوار المكونات كلها من عرش وفرش وسماوات وأرض وجنات
وحجب، وما فوقها وما تحتها إذا جمعت كلها وجدت بعضًا من نور النبي، وإن
مجموع نوره لو وضع فوق العرش لتهافت، ولو جمعت المخلوقات كلها ووضع ذلك
النور العظيم لتهافتت وتساقطت).وكتاب "الرماح" لعمر بن
سعيد التيجاني؛ حينما قال: (لما خلق النور جمع في هذا النور المحمدي جميع
أرواح الأنبياء والأولياء جمعًا أحديًّا، قبل التفصيل في الوجود العيني،
وذلك في مرتبة العقل الأولى)، وجاء في كتاب الإنسان الكامل: (إن العقل
المنسوب إلى محمد صلى الله عليه وسلم خلق الله منه جبريل في الأزل، فكان
محمد صلى الله عليه وسلم أبًا لجبريل، وأصلًا لجميع العالم، وسمى العقل
الأول بالروح الأمين لأنه خزانة علم الله).وأوضح الدكتور عبد
المهدي أن بعض الخرافات وأباطيل غلاة الصوفية تصل إلى الشرك والخروج من
الملة مع أنهم يدعون أنهم أشد الناس حبًّا للرسول صلى الله عليه وسلم،
وأكثرهم ضمانًا لمرافقته في الجنة، حتى أنه جاء في نور الإيضاح للصيادي:
(أما شأن محمد صلى الله عليه وسلم فإنه حي في قبره منعم، متصرف كتصرفه حال
حياته، متصرف وهو فيه بالعالم العلوي والسفلي)، وكما جاءت أبيات البوصيري
في بردته للرسول صلى الله عليه وسلم: وإن من جودك الدنيا وضرتها ... ومن علومك علم اللوح والقلم
يا أكرم الرسل ما لي من ألوذ به ... سواك عند حلول الحادث العمم
وذكر الدكتور عبد
المهدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرضيه أن نُحرف دينه أو نشوه
عقيدته حتى لو كان في سبيل التعظيم له؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن
يغضب لنفسه وإنما كان يغضب إذا انتهك حد من حدود الله أو حرف شيء من دينه،
فلم يكن أعز عليه من دين الله، وعلينا أن نحفظ هذا الدين، وأن نصون هذه
العقيدة وأن ننفي عنها تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين؛
حتى نفوز برضى الله ورسوله. وقد اتضحت معالم عقيدة
الصوفية في رسول الله صلى الله عليه وسلم وتجلت، فيما راح غلاتهم يترسمون
خُطا الذين ضلوا من قبل، ويضاهئون قول الذين كفروا، مثلما كان أهل الكتاب ـ
بقولهم في المسيح ـ يضاهئون قول الذين كفروا من قبلهم من الهندوس
والبوذيين وغيرهم.ولقد حذرنا القرآن
الكريم من الوقوع في تأليه الرسول صلى الله عليه وسلم، أو تقديس ذاته على
النحو الذي صار عليه غلاة المتصوفة، بقوله سبحانه وتعالى: {وَقَالَتِ
الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ
اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ
كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [التوبة: 30].أصول الحقيقة المحمدية:ويعود الدكتور عطية عدلان ليؤكد أن أصول الصوفية في مسألة "الحقيقة المحمدية"، يمكن إيجازها في نقاط أربع: أولها: الاعتقاد بأن بشرية النبي صلى الله عليه وسلم ليست كبشرية الناس، وأن طبيعته تختلف عن الطبيعة البشرية العامة في أصل الخلقة، وثانيها: الاعتقاد بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أصله من نور، وثالثها: الاعتقاد بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أول الخلق، ورابعها: الاعتقاد بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان غاية الوجود، ولولاه ما خلق الله الخلق.ويقرر الدكتور عطية
مهمة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم التي بعث لها، وهي مهمة جامعة تنطوي
تحتها مهام كلها تصب فيها وتلتقي عليها، متمثلة في الإرشاد إلى
الصراط المستقيم، والتبشير والإنذار، والبلاغ والبيان، وتربية الناس
وتزكيتهم، وتعليم الدين وتدريس أحكامه لمن آمن به واتبعه، وإقامة الحجة على
الناس، وبيان أحكام الكتاب، وتطبيقها وإقرار منهج الله في الأرض، والجهاد
في سبيل الله وحض المؤمنين عليه؛ حتى لا تسود الفتنة، وأن يكون قدوة للناس
في كل ما جاء به من عند الله، وتتحقق به الأسوة لهم.واجباتنا تجاه الرسول صلى الله عليه وسلم:ونختم تحقيقنا بسؤال للسادة الأفاضل من علماء أمتنا حول الواجبات
التي تترتب علينا تجاه هذا النبي العظيم صلى الله عليه وسلم في مواجهة هذه
الادعاءات التي تبرأ منها النبي صلى الله عليه وسلم في حال حياته؟فكان الجواب باتفاق فضيلتهم جميعًا في نقاط، أهمها:- أن نؤمن برسول الله صلى الله عليه وسلم إيمانًا يكون له أثره في القلب بالحب والتوقير والتعظيم.- الطاعة والاتباع له، والتحاكم إليه، والانقياد لحكمه برضى وتسليم.- أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب للمؤمن من نفسه وولده وجميع الخلق. - تعزيره وتوقيره،
والتعزير اسم جامع لنصرته وتأييده ومنعه من كل ما يؤذيه، والتوقير اسم جامع
لكل ما فيه سكينة وطمأنينة من الإجلال والإكرام، وأن يعامل من التشريف
والتكريم والتعظيم بما يصونه عن كل ما يخرجه عن حد الوقار.- عدم التقدم بين يديه وعدم رفع الصوت عنده وعدم دعائه وندائه بمثل ما يدعو الناس بعضهم بعضًا.- أن الله تعالى حرم على الأمة أن يؤذوه بما هو مباح أن يعامل به بعضهم بعضًا تمييزًا له، مثل نكاح أزواجه من بعده.- ألا نؤثر أنفسنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وألا نتخلف عن نصرة دينه الذي بذل عمره كله من أجله.- الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والتسليم عليه، وسؤال الوسيلة له.- التمسك بسنته، وترك الابتداع في دينه. - الاستجابة له في العمل بشريعته وتطبيقها في مناحي الحياة، وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله. ـــــــــــــــ
صحفي مصري.
(1) رواه الترمذي، كتاب تفسير القرآن، باب سورة بني إسرائيل، (3148)، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي، (2859).