آداب
الفتـوى
والمفـتـي
والمسـتــفــتـي من مقدمة كتاب المجموع شرح المهذب
للإمام
الرباني شيخ الإسلام الحافظ الحجة التقي محي الدين أبي زكريا
يحيى
بن شرف النووي الشافعي
رحمه الله تعالى
(631
- 676 هـ) باب آداب الفتوى والمفتي والمستفتي اعلم أن
هذا الباب مهم جدا ، فأحببت تقديمه لعموم الحاجة إليه .
وقد
صنف في هذا جماعة من أصحابنا ، منهم أبو القاسم الصيمري شيخ صاحب الحاوي ، ثم
الخطيب أبو بكر الحافظ البغدادي ، ثم الشيخ أبو عمرو بن الصلاح ، وكل منهم ذكر
نفائس لم يذكرها الآخران ، وقد طالعت كتب الثلاثة ولخصت منها جملة مختصرة مستوعبة
لكل ما ذكروه من المهم ، وضممت إليها نفائس من متفرقات كلام الأصحاب ، وبالله
التوفيق .
اعلم
أن الإفتاء عظيم الخطر ، كبير الموقع ، كثير الفضل ، لأن المفتي وارث
الأنبياء -صلوات الله وسلامه عليهم- وقائم بفرض الكفاية ولكنه معرض للخطأ;
ولهذا قالوا : المفتي موقع عن الله تعالى .
وروينا
عن ابن المنكدر قال : "العالم بين الله تعالى وخلقه ، فلينظر كيف يدخل بينهم" .
وروينا
عن السلف وفضلاء الخلف من التوقف عن الفتيا أشياء كثيرة معروفة ، نذكر منها أحرفا
تبركا .
وروينا
عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : "أدركت عشرين ومائة من الأنصار من أصحاب رسول
الله صلى الله عليه وسلم يسأل أحدهم عن المسألة فيردها هذا إلى هذا ، وهذا إلى
هذا ، حتى ترجع إلى الأول" . وفي رواية : "ما منهم من يحدث بحديث ، إلا ود
أن أخاه كفاه إياه ، ولا يستفتى عن شيء إلا ود أن أخاه كفاه الفتيا" .
وعن
ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم : "من أفتى عن كل ما يسأل فهو مجنون" .
وعن
الشعبي والحسن وأبي حصين -بفتح الحاء- التابعيين قالوا : "إن أحدكم ليفتي في
المسألة ولو وردت على عمر بن الخطاب رضي الله عنه لجمع لها أهل بدر" .
وعن
عطاء بن السائب التابعي : "أدركت أقواما يسأل أحدهم عن الشيء فيتكلم وهو يرعد" .
وعن
ابن عباس ومحمد بن عجلان : "إذا أغفل العالم (لا أدري) أصيبت مقاتله" .
وعن
سفيان بن عيينة وسحنون : "أجسر الناس على الفتيا أقلهم علما" .
وعن
الشافعي -وقد سئل عن مسألة فلم يجب- فقيل له ، فقال : "حتى أدري أن الفضل في
السكوت أو في الجواب" .
وعن
الأثرم : سمعت أحمد بن حنبل يكثر أن يقول : (لا أدري) ، وذلك فيما عرف
الأقاويل فيه .
وعن
الهيثم بن جميل : شهدت مالكا سئل عن ثمان وأربعين مسألة فقال في اثنتين وثلاثين
منها : (لا أدري) .
وعن
مالك أيضا : أنه ربما كان يسأل عن خمسين مسألة فلا يجيب في واحدة منها ، وكان
يقول : "من أجاب في مسألة فينبغي قبل الجواب أن يعرض نفسه على الجنة والنار وكيف
خلاصه ثم يجيب" .
وسئل
عن مسألة فقال : (لا أدري) ، فقيل : هي مسألة خفيفة سهلة ، فغضب وقال :
(ليس في العلم شيء خفيف) .
وقال
الشافعي : (ما رأيت أحدا جمع الله تعالى فيه من آلة الفتيا ما جمع في ابن عيينة
أسكت منه عن الفتيا) .
وقال
أبو حنيفة : (لولا الفرق من الله تعالى أن يضيع العلم ما أفتيت ، يكون لهم
المهنأ وعلي الوزر) .
وأقوالهم
في هذا كثيرة معروفة .
قال
الصيمري والخطيب : قل من حرص على الفتيا ، وسابق إليها ، وثابر عليها ، إلا
قل توفيقه ، واضطرب في أموره ، وإن كان كارها لذلك ، غير مؤثر له ما وجد عنه
مندوحة ، وأحال الأمر فيه على غيره ، كانت المعونة له من الله أكثر ، والصلاح
في جوابه أغلب .
واستدلا
بقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح :
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]البخاري كفارات الأيمان (6343) ، مسلم الأيمان (1652) ،
الترمذي النذور والأيمان (1529) ، النسائي آداب القضاة (5384) ، أبو داود الخراج
والإمارة والفيء (2929) ، أحمد (5/62) ، الدارمي النذور والأيمان
(2346).
لا تسأل الإمارة فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها ، وإن أعطيتها عن غير مسألة
أعنت عليها [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] .