بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله و على آله وصحبه وسلم
السلام عليكم و رحمة الله وبركاته
(حديث مرفوع) أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الحافظ ، أنا أَبُو عَبْدِ
اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ , ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ
الصَّيْدَلانِيُّ ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، قَالا : ثنا
بِشْرُ بْنُ الْحَكَمِ ، ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، حَدَّثَنَا
مُطَرِّفٌ ، وَابْنُ أَبْجَرَ , أنهما سمعا الشعبي ، يَقُولُ : سَمِعْتُ
الْمُغِيرَةِ بْنَ شُعْبَةَ ، يُخْبِرُ النَّاسَ عَلَى الْمِنْبَرِ , قَالَ
سُفْيَانُ : رَفَعَهُ أَحَدُهُمَا ، أُرَاهُ قَالَ : ابْنُ أَبْجَرَ ,
قَالَ : " سَأَلَ مُوسَى رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَا أَدْنَى أَهْلِ
الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً ؟ قَالَ : هُوَ رَجُلٌ يَجِيءُ بَعْدَ مَا دَخَلَ
أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ ، فَيُقَالُ لَهُ : ادْخُلِ الْجَنَّةَ ،
فَيَقُولُ : أَيْ رَبِّي ، وَكَيْفَ أَدْخُلُ وَقَدْ نَزَلَ النَّاسُ
مَنَازِلَهُمْ ، وَقَدْ أَخَذُوا أَخَاذَاتِهِمْ ، فَيُقَالُ لَهُ :
أَتَرْضَى أَنْ يَكُونَ لَكَ مِثْلُ مَا كَانَ يَكُونُ لِمَلِكٍ مِنْ
مُلُوكِ الدُّنْيَا ؟ فَيَقُولُ : رَضِيتُ رَبِّ فَيَقُولُ : لَكَ مِثْلُ
هَذَا وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ ، حَتَّى عَقَدَ خَمْسًا ،
فَيَقُولُ : رَضِيتُ ، فَيَقُولُ : لَكَ هَذَا وَعَشْرَةُ أَمْثَالِهِ ،
فَيَقُولُ : رَبِّ رَضِيتُ ، فَيُقَالُ : لَكَ هَذَا وَمَا اشْتَهَتْ
نَفْسُكَ وَلَذَّتْ عَيْنُكَ ، قَالَ : يَا رَبِّ أَخْبِرْنِي بِأَعْلاهُمْ
مَنْزِلَةً ، قَالَ : أُولَئِكَ الَّذِينَ أَرَدْتُ وَسَوْفَ أُخْبِرُكَ ،
غَرَسْتُ كَرَامَتَهُمْ بِيَدِي وَخَتَمْتُ عَلَيْهَا ، فَلَمْ تَرَ
عَيْنٌ وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى قَلْبٍ ،
وَمِصْدَاقُهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ
مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا
يَعْمَلُونَ سورة السجدة آية 17 ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ , عَنْ
بِشْرِ بْنِ الْحَكَمِ
غريبه
أخذاتهم : منازلهم التي أعدها الله لهم و أكرمهم بها .
الدين أردت : الذين اصطفيت .
معناه
هذا الكرم الإلهي العظيم جاءنا العلم به بسبب سيدنا موسى على نبينا و عليه
الصلاة و السلام ، إذ سأل ربه عن أدنى أهل الجنة منزلة فيها ، وعن أعلاهم
منزلة فيها .
فأما أدناهم منزلة فيها : فرجل أمر بدخول الجنة ، فلم ير
مكانا له فيها ، حسبما رأى و خيل إليه ، كما جاء في رواية ابن مسعود : "
... يقول الله تبارك و تعالى له : اذهب فادخل الجنة ، فيأتيها فيخيل إليه
أنها ملأى ، فيرجع .... "
و يتكرر منه ذلك مرتين ، ثم يقول الله تعالى
له [ اذهب فادخل الجنة ، فإن لك مثل الدنيا وعشرة امثالها ، أو : إن لك
عشرة أمثال الدنيا ] .
و الفرق بين هذين اللفظين يسير : مثل الدنيا و عشرة امثالها فيكون مجموع حظه من الجنة أحد عشر مثلا للدنيا ،
أو : لك عشرة أمثال الدنيا فهي عشرة أمثال فقط لا أحد عشر .
لكن الفرق بينهما و بين الحديث المشروح كبير ، فلفظه بعد أن وعد ربه خمس
مرات من أمثال الدنيا ، قال : " هذا لك " أي : الأمثال الخمسة " وعشرة
امثاله " فإذا أعدنا الضمير على الأمثلة الخمسة كان حاصل ذلك الخمسة
الأمثال معطوفا عليها عشرة أمثال ، فالجميع خمسة و خمسون مثلا !.
ولا يستكثر على فضل الله و جوده شيء ، لكن المراد تحقيق فهم الرواية .
وهل يقرب من جود الله جود ! و هل يليق بعاقل أن يتقاعس عن طلب الجنة وعن الجد في طلبها ؟ اللهم وفقنا لذلك يا أكرم الأكرمين
وقد جاءت رواية ابن مسعود هذه صريحة في أن هذا فضل الله على آخر أهل النار خروجا منها ، و هو آخر أهل الجنة دخولا اياها .
ويزيده الله من فضله فيقول " لك ما اشتهت نفسك ، ولذت نفسك ":
{ وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين }
ولذلك يقول هذا الإنسان : " ما أعطي أحد مثل ما أعطيت !! " كما في صحيح مسلم .
والمراد : الأنفس و الأعين الطيبة التي قالت لها ملائكة الرحمن حين دخولها الجنة :
{ طبتم فادخلوها خالدين
طابوا فلا يشتهون إلا طيبا يتلاءم مع طيب الجنة دار الكرامة ، فصارت انفسا و اعينا جنانية لا أرضية دنيوية .
أما اعلى أهل الجنة منزلة : فكان جواب الله تعالى لكليمه موسى عليه الصلاة
و السلام مجملا لا تفصيل فيه ، سوى أنه دله على رفعة مكانتهم لديه : "
أولئك الذين أردت ، غرست كرامتهم بيدي "
ففرق كبير بين من يوصف إكرامهم و بين من لا يوصف ، لعظمه .
وفرق كبير بين من يقول الله له : " لك ما اشتهت نفسك ولذت عينك "
وبين من يقول في وصف كرامتهم " لم تر عين ، و لم تسمع أذن ، ولم يخطر على قلب بشر " .
و ليس المراد : أن كرامتهم تخطر على قلب غير البشر كالملائكة ، لا ، بل المراد عموم النفي ، من بشر ، أو ملك ، أو نبي مرسل .
والله سبحانه وتعالى هو المسؤول و المرجو أن يكرمنا بما هو أهله دون سابقة حساب أو عذاب أو عتاب ، إنه هو أهل التقوى و أهل المغفرة