ستفترق أمتي الى ثلاث و سبعين فرقة
السؤال"ما صحة الحديث ستفترق أمتي الى ثلاث و سبعين فرقة كلها في النار
الا واحدة و ما الشرح الصحيح للحديث, هذا حديث يدخل في العقيدة, يعني يجب
أن يكون صحيح متواتر لا يترك الشك أو لا.؟
الاجابة
بسم الله
الطائفية في النصرانية والإسلام
مقارنة منهجية
الحقيقة أن هذا السؤال يعبر عن مشكلة خطيرة يجب معالجتها وهي أن المسلمين سيفترقون مثل النصارى بل أكثر كما نص الحديث
وفي البداية نعلم أن الحديث صحيح وأجمع الروايات فيه هي
عن عوف بن مالك الأشجعي قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
:افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة ، واحدة في الجنة وسبعين في النار ،
وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة ، فإحدى وسبعين في النار ، واحدة
في الجنة ، والذي نفسي بيده لتفترقن أمتي على ثلاث وسبعين فرقة ، فواحدة في
الجنة ، واثنتان وسبعون في النار . قيل : يا رسول الله
من هم ؟ قال : الجماعة » أخرجه بهذا اللفظ ابن أبي عاصم في السنة / 63 ، وصححه الألباني ، وهو في صحيح سنن ابن ماجه /3226 .
وقد ورد عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه- . تفسير الجماعة
حيث قيل لعبد الله بن مسعود : وكيف لنا بالجماعة ؟ فقال إنما الجماعة ما وافق طاعة الله وإن كنت وحدك.
شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة
وحقيقة أن الأمة ستفترق مثل إفتراق النصارى يقتضي أن نفهم الفارق الجوهري
بين الإفتراق أو الطائفية عند اليهود والنصارى وعند المسلمين
وهذا الفارق يتمثل أساسا في توافر معايير الحق في الإسلام وغيابها عند اليهود والنصارى
وهذه المعايير هي
نص الوحي (الكتاب والسنة )
الجماعة
القرون الثلاثة الأولى
القائمون بالحجة حتى قيام الساعة
ـ نص الوحي (الكتاب والسنة )
وهو الحقيقة الثابتة بحفظ القرآن والسنة
وباعتبارنا في حالة مقارنة الطائفية بين اليهودية والنصرانية والإسلام
تجدر الإجابة على السؤال القائل لماذا لم تحفظ التوراة والإنجيل وحفظ
القرآن
والحقيقة: أن الحفظ الإلهي لأي كتاب مُنزل يكون باعتبار أن
هذا الكتاب هو حجة الله على العباد في زمان محدد، فالله يحفظ حجته القائمة
في زمانها..
وعندما كانت التوراة هي الحجة حفظها الله، وكذلك عندما
كان الإنجيل هو الحجة حفظه الله، فالحجة مرتبطة بزمانها، ولكل أمة من الأمم
الثلاث زمن، وكتاب الله المنزل على الأمة يكون حجة في زمانها، ، وهذه
الحقيقة يقررها رسول الله ﷺ بقوله: ((إنما أجلكم في أجل من خلا من الأمم ما
بين صلاة العصر إلى مغرب الشمس، وإنما مثلكم ومثل اليهود والنصارى كرجل
استعمل عمالًا، فقال: من يعمل لي إلى نصف النهار على قيراط قيراط..؟
فعملت اليهود إلى نصف النهار، ثم قال: من يعمل لي من نصف النهار إلى صلاة
العصر على قيراط قيراط..؟ فعملت النصارى من نصف النهار إلى صلاة العصر على
قيراط قيراط، ثم قال: من يعمل من صلاة العصر إلى مغرب الشمس على قيراطين
قيراطين..؟ ألا فأنتم الذين يعملون من صلاة العصر إلى مغرب الشمس، ألا لكم
الأجر مرتين، فغضبت اليهود والنصارى، فقالوا: نحن أكثر عملًا وأقل عطاء..؟!
فقال الله تعالى: فهل ظلمتكم من حقكم شيئًا..؟ قالوا: لا، قال الله تعالى:
فإنه فضلي.. أُعطيه من شئت)).
وباعتبار أن هذا الزمن هو زمن الأمة
الخاتمة، يبقى كتابها باعتباره حجة الله محفوظًا دون غيره من كُتب الأمم
التي انتهى زمانها وانتهت حجية كتابها.
ـ الجماعة
وقد نص حديث
الإفتراق على هذا المعيار وهو الجماعة التي تمثل الميزان لكل مسائل الخلاف
كما في الحديث فواحدة في الجنة ، واثنتان وسبعون في النار . قيل : يا رسول
الله من هم ؟ قال : الجماعة » وكما في قوله صلى الله عليه وسلم
« لا
تزال أمتي ظاهرين على الحق حتى ينزل عيسى ابن مريم فيقول إمامهم : تقدم ،
فيقول : أنتم أحق بعضكم أمراء بعض . أمر أكرم الله به هذه الأمة »
وفي رواية،(حتى يقاتل آخرهم المسيح الدجال) .
والملاحظة الأساسية في هذا النص أن امتداد الطائفة سيبقى حتى قتال الدجال
مع عيسى ابن مريم.. ليتحدد بذلك المعيار التاريخي للحق من خلال الصراع بين
عيسى ابن مريم والدجال، وليتأكد بذلك قيام الأمة بحجة الله على البشر
بالجهاد.وهو تفسير قول الله عز وجل {وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا
إلى يوم القيامة}
والذين اتبعوه هم الذين آمنوا به وعملوا بوصاياه، وأهمها الإيمان بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم،
ولذلك يقول ابن كثير في تفسير الآية: (فلما بعث الله محمدًا صلى الله عليه
وسلم، فكان من آمن به يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله على الوجه الحق،
كانوا هم أتباع كل نبي على وجه الأرض، إذ قد صدقوا الرسول النبي الأمي
العربي، خاتم الرسل وسيد ولد آدم على الإطلاق، الذي دعاهم إلى التصديق
بجميع الحق، فكانوا أولى بكل نبيٍّ من أمته، الذين يزعمون أنهم على ملته
وطريقته مع ما قد حرفوا وبدلوا، ثم لو لم يكن شيء من ذلك لكان قد نسخ الله
شريعة جميع الرسل بما بعث الله به محمدًا صلى الله عليه وسلم من الدين
الحق، الذي لا يُغير ولا يُبدل إلى قيام الساعة، ولا يزال قائمًا منصورًا
ظاهرًا على كل دين؛ فلهذا فتح الله لأصحابه مشارق الأرض ومغاربها، واجتازوا
جميع الممالك، ودانت لهم جميع الدول، وكسروا كسرى، وقصروا قيصر وسلبوهما
كنوزهما، وأنفقت في سبيل الله كما أخبرهم بذلك نبيهم عن ربهم عز وجل في
قوله: {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما
استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد
خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم
الفاسقون} [النور: 55]؛
والجماعة التي تمثل معيار الحق لاتكون الا
بالإنتماء الصحيح وهو الأمر الذي يفتقده النصارى ودليل ذلك الزعم القائل
عندهم بانتماء قسطنطين للمسيحية
بل واعتباره مؤسس المسيحية
رغم أنه كان يصلي لإلهة الشمس...
واحتفظ بلقب كبير حراس عبادة الآلهة وهو " بونتي فاكس ماكسيموس " بالألمانية
وسمح بالعبادة للمسيحيين ومعم الديانات الوثنية الأخرى
كما سمح ببناء كنائس بعد فترة زمنية طويلة فكان بناء أول كنيسة سنة 324
ولكن يصير من الضروري تفسير إفتراق الأمة بأكثر مما إفترقت به اليهود والنصارى
والحقيقة أن آخرية أمة الرسول عليه الصلاة والسلام إقتضت كثرة التفرق وفقا
لسنة الله الثابتة في إختلاف البشر وزيادة هذا الإختلاف حتى قيام الساعة
عن أبي أمية الشعباني قال أتيت أبا ثعلبة الخشني قال قلت كيف تصنع في هذه
الآية قال أية آية قلت ( يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل
إذا اهتديتم ) قال سألت عنها خبيرا سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحا مطاعا وهوى
متبعا ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه ورأيت أمرا لا يدان لك به فعليك
خويصة نفسك....)
فأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن الإعجاب بالرأي
وهو سبب الإفتراق يزداد بزيادة الإقتراب من الساعة ولما كانت أمتنا باقية
الى قيام الساعة كان نصيبها من الإفتراق أكبر وفقا لسنة الله في الخلق
سنن ابن ماجة وأبوداود والترمذي وقال حسن غريب
وكما حدد الرسول صلى الله عليه وسلم الجماعة كمعيار للحق حددأمرين آخرين
ـ القرون الأولى وذلك في قوله خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونه
ثم الذين يلونهم فلا أدري ذكر قرنين بعد أو ثلاثة ثم ذكر قوما يخونون ولا
يؤتمنون ويشهدون ولا يستشهدون وينذرون ولا يوفون ويظهر فيهم السمن
السنن الكبرى للنسائي - (ج 3 / ص 135)
.ـ المجددون القائمون بالحجة
ومنهم المجددون الذين ورد ذكرهم في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن أبي هريرة رضي الله عنه ، ولا أعلمه إلا عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم ، قال : « إن الله يبعث إلى هذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد
لها دينها » المستدرك على الصحيحين للحاكم
أما الطائفية عند النصارى فلايكون معها أي معيار للحق
وكمحصلة نهائية لما سبق فإن مقارنة الطائفية عند النصارى والمسلمين تكشف
طبيعة الإختلاف الإفتراق عندنا وعندهم من خلال عدة عناصر :
ـ النشأة العملية للإختلاف عند المسلمين والذي يقابله النشأة العقائدية عند النصارى
فكان أول خلاف بين المسلمين حول إستحقاق الخلافة بعد رسول الله أبو بكر أم
علي وهو أمر عملي ليس له علاقة بالعقيدة وحسم ببيعة علي لأبي بكر الصديق
رضى الله عنهما
أما أول خلاف ظهر عند النصارى فكان بين بولس والتلاميذ
بعد 13 عام من الميلاد حيث الغي فيه بولس الشريعة وبدأ في كلامه الوثني عن
المسيح وقال
إن التلاميذ يدعون الي إنجيل آخر ويسوع آخر
ومنذ ظهور بولس وتحريف الإنجيل ظل الأحبار والرهبان مرجع النصارى
ومن هنا كان الحق عندنا معروف بقواعده الشرعية واصوله المقررة في الشريعة وعندهم معروف بتقليد الكنائس واتباع الأشخاص
فنحن نعرف الرجال بالحق وهم يعرفون الحق بالرجال
ـ محدودية الخلاف في الإسلام وتجدده في النصرانية
ومن هنا كان الخلاف في الإسلام ثابت في عمومه بعكس الخلاف الطائفي المتجدد
عند النصارى فالحالة النصرانية حالة إنقسامية بطبيعتها وأقرب تشبيه لها هو
كمن يقف فوق رمال متحركة كلما خطا خطوة إزداد غرقا
وكنتيجة لذلك كان
الإختلاف عندهم من انفسهم , وعندنا ناشئ عن تقليدهم " كما قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «
لتتبعن سنن الذين من قبلكم شبرا بشبر ، وذراعا بذراع ، وباعا بباع ، حتى لو
دخلوا جحرا لضب لدخلتموه »
ـ الإحاطة بظاهرة الإختلاف في الإسلام وفقدان ذلك في النصرانية
وذلك بتحذير الرسول من الإفتراق قبل حدوثه والطوائف قبل نشأتها مثلما أخبر
عن الخوارج ، مما يرسخ مفهوم الأصل الصحيح وصدق الوحي واليقين فيه
وكذلك إحاطة الإختلاف ونتائجه بالأحكام الشرعية كقوله تعالى (وَإِنْ
طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا
فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي
حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا
بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ
الْمُقْسِطِينَ) (الحجرات:9)
والله اعلم