| تاريخ المساهمة 13.02.12 0:57 | |
من صفات الجيش المنتصر
في الحقيقة أن جيش المسلمين في غزوة بدر تحققت فيه صفات عدة أهلته لأن يكون جيشا منتصرا، وفي في المواقف السابقة للمسلمين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سنجد أكثر من صفة من صفات الجيش المنتصر:
أولاً: الشورى وأهميتها في بناء الأمة الإسلامية.
ثانيًا: ظهرت لنا صفة من أهم صفات الجيش المنتصر، بل هي أهم الصفات مطلقًا، وهي الصفة التي بذل رسول الله صلى الله عليه وسلم كل الجهد في زرعها في المسلمين طوال الفترة المكية وطوال الفترة الماضية في المدينة، وحتى ماتصلى الله عليه وسلم ، وهي صفة الإيمان الكامل بالله صلى الله عليه وسلم ، وتوجيه النية كاملة له I، والإيمان الكامل برسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، واتباعه اتباعًا لا تردد فيه. رأينا جيش مكة خارجًا إلى المعركة كي يتحدث الناس عنه؛ خارجًا لإرضاء شهوات النفس، خارجًا بغرض الصدِّ عن سبيل الله {وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَاللهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} [الأنفال: 47].
بينما كان صدق التوجه واضحًا في كل كلمة من كلمات الصحابة y، فهم يعلمون أنهم في مهمة سامية وغرض نبيل، ولا يرجون من ورائها إلا الثواب من الله.
الله غايتهم، بكل معنى الكلمة، ومن غير صفة الإيمان ليس هناك نصر.
الجيش العلماني لن ينتصر.
الجيش العاصي لن ينتصر.
الجيش الفاسق لن ينتصر.
الجيش الذي يقاتل من أجل القائد لن ينتصر.
الجيش الذي يقاتل من أجل قبيلة أو عصبية لن ينتصر.
الجيش الذي لا يعرف لماذا يقاتل أصلاً لن ينتصر.
هناك جيوش كثيرة -وأحيانًا مسلمة- لا تعرف لماذا تقاتل؟
القائد أمر، لماذا أمر؟ وكيف أمر؟ وهل ترضي هذه الحرب ربنا ولا تغضبه، أم لا؟ لا أحد يسأل.
هذا الجيش لا يمكن أن ينتصر.
النصر في المفهوم الإسلامي من عند الله عز وجل{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: 7].
وكيف ننصر الله عز وجل؟
نصر الله عز وجل يكون بطاعته وتطبيق شرعه، والجيش الإسلامي ظل خمسة عشر عامًا كاملة يُربَّى على هذا المعنى، هذه أهم صفة من صفات الجيش المنتصر.
-ثالثا: صفة مهمة من صفات الجيش المنصور، وهي صفة الأمل "سِيرُوا وَأَبْشِرُوا، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ وَعَدَنِي إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ، وَوَاللَّهِ لَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى مَصَارِعِ الْقَوْمِ".
الجيش المحبط من المستحيل أن ينتصر، والإحباط يأتي من تفاهة المهمة التي يقاتل من أجلها الجيش، والدنيا بكاملها لا تعدل عند الله جناح بعوضة، فالذي يقاتل من أجل الدنيا لا شك أنه سيحبط، ومن أُحبط لا شك أنه سيُهزم.
- رابعا: صفة رابعة من صفات الجيش المنصور، وهي صفة الحسم وعدم التردد.
-
مرحلة الشورى هي مرحلة تداول الرأي، فإن استقر المسلمون على رأيٍ فلا بد من الحسم في تنفيذه، التردُّد والتسويف يضعف الهمة، ويزيد من جرأة العدو، ويفتح أبوابًا للشيطان {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران: 159].
مع خطورة الموقف، وقلة أعداد المسلمين، وقوة الجيش الكافر إلا أن المسلمين أقدموا دون تردد.
صفات الجيش المكي
هذا على عكس ما كان عليه الجيش الكافر تمامًا:
- رأينا تردد أميَّة بن خلف في الخروج.
- ورأينا انسحاب الأخنس بن شريق.
- ورأينا رفض الجميع للقتال ودفع أبي جهل لهم.
- كما رأينا خوفهم من الخروج في البداية، وتمثَّل الشيطان لهم في صورة سُراقة بن مالك بن جعشم.
رأينا كل هذا، وسنرى تردُّدًا أشدَّ:
- عتبة بن ربيعة كان رافضًا للقتال، وقف يقول للقوم: "يا قوم، أطيعوني في هؤلاء القوم، فإنكم إن فعلتم (أي قاتلتم) لن يَزال ذلك في قلوبكم، ينظر كل رجل إلى قاتل أخيه وقاتل أبيه". أي: كيف ستعيشون مع بعضكم البعض، وكل واحد منكم سيقتل أخًا للآخر. ثم يوجِّه لهم النصيحة قائلاً: "فاجعلوا جَنْبَها برأسي، وارْجِعُوا"[1]
غضب أبو جهل وقال: "انتفخ والله سَحْرُه حين رأى محمدًا وأصحابه" (السَّحْر هو الرئة وهذه علامة على الجبن). ثم قال: "إنما محمد وأصحابه أَكَلَةُ جزور لو قد التقينا"[2] أي أنهم لا يتجاوزون المائة.
قال عتبة يرد على أبي جهل: "ستعلم من الجبان المُفسِد لقومه، أما والله إني لأرى قومًا يضربونكم ضربًا، أما ترون رءوسهم كالأفاعي، وكأن وجوههم السيوف"[3] هذه هي نفسية من يحاربون الإسلام.
- جاء حكيم بن حزام إلى عتبة بن ربيعة يقول له: يا أبا الوليد، هل لك أن تذهب بشرف هذا اليوم ما بقيت؟ قال: أفعل ماذا؟ قال: إنكم لا تطلبون من محمد إلا دم ابن الحضرمي (الذي قتل في سرية نخلة) وهو حليفك، فتحمل بديته، ويرجع الناس. فقال: أنت وذاك وأنا أتحمل ديته، واذهب إلى ابن الحنظليَّة -يعني أبا جهل- فقل له: هل لك أن ترجع اليوم بمن معك عن ابن عمك (يُذكِّره بالقرابة مع رسول الله)؟! فذهب حكيم إلى أبي جهل وقال له ذلك، فردَّ أبو جهل: أمَا وجد رسولاً غيرك؟ قال حكيم: لا، ولم أكن لأكون رسولاً لغيره[4] فرفض أبو جهل وأصرَّ على القتال.
- وذهب عمير بن وهب الجمحي ليقدر أعداد المسلمين، فعاد إلى قريش وقد قدَّر العدد بثلاثمائة أو نحو ذلك. يعني قدَّر التقدير الصحيح، ومع أن هذا يعني أن جيش المسلمين ثلث جيش الكفار إلا أن عمير بن وهب قال وهو مرعوب:
"ولكني قد رأيتُ يا معشر قريش البلايا تحمل المنايا، نواضحُ يثرب تحمل الموت الناقعَ، قومٌ ليس لهم منعة إلا سيوفهم، والله ما أرى أن يُقتل رجلٌ منهم حتى يَقتل رجلاً منكم، فإذا أصابوا منكم أعدادهم، فما خير العيش بعد ذلك؟! فَرُوا رأيكم"[5]
انظر التردد الذي يعيشه أهل الباطل!
كيف يمكن لأناس كهؤلاء أن يحاربوا؟!
كونوا على يقين من أن كل مَن يحارب الإسلام تكون هذه حاله.
إذن الجيش المسلم عكس الجيش الكافر تمامًا، الجيش المسلم جيش مؤمن بالله ورسوله، لا يعمل إلا لله صلى الله عليه وسلم متفائل، عنده يقين كامل في نصر الله، حاسم غير متردد، يعمل بالشورى في كل قضاياه إلا إذا كان هناك أمر من الله أو رسوله فلا شورى فيه. هذا جيش لا بد أن ينتصر.
حدود الخوف المشروع
ليس معنى أن الروح العالية التي وجدناها في موقف أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب والمقداد بن عمرو وسعد بن معاذ أن كل الجيش كان كذلك؛ لا، فهناك بعض المؤمنين كانوا خائفين من جيش مكة، ليس ضعفًا في اليقين، ولكن لإحساسهم أنهم لم يخرجوا بالاستعداد الكافي، وأن هذا من الممكن أن يضر بالجيش الإسلامي، وأن هناك أعدادًا من المسلمين بالمدينة لو علمت أن هناك جهادًا لخرجت.
الخلاصة أنهم كرهوا الحرب، وتمنوا أن لو كانوا يحاربون القافلة فقط {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ (5) يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (6) وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ} [الأنفال: 5- 7].
هل يمثل هذا الشعور الذي كان عندهم مشكلة؟ هل هذا شعور خطير؟
أبدًا، ليس معنى الإيمان بالله عدم الخوف، لكن المطلوب من المؤمن أن لا يؤثِّر هذا الخوف في طاعته لله ولرسوله، لا يصح أن يقود الخوف إلى مخالفة شرعية، وهذا فارق ضخم بين (غزوة بدر) و(غزوة أُحُد).
في (بدر) خوف المؤمنين لم يدفعهم إلى مخالفة.
وفي (أُحُد) خوف المؤمنين دفعهم ليس إلى مخالفة واحدة، بل إلى عدة مخالفات.
الأمر المهم أن يكون في الجيش عدد من عمالقة الإيمان الذين يستطيعون أن يحرِّكوا الخير الموجود داخل عموم المؤمنين، ففي الناس خير كثير لكنهم يحتاجون من يحركهم، وليس بالضرورة أن يكون الجيش كله أبا بكر وعمر، ولكن من الضروري أن يكون في الجيش أمثال أبي بكر وعمر.
كل هذه الأحداث التي تحدثنا عنها كانت يوم الخميس 16 من رمضان سنة 2 هجرية، واليوم التالي سيكون يوم الجمعة 17 من رمضان 2 هجرية، وهو يوم بدر، يومٌ من أعظم أيام الإسلام، بل من أعظم أيام الدنيا. وفي هذا اليوم سنعرف صفات أخرى للجيش المنصور، وسنعرف كيف يتم النصر، وسنعرف سننًا كثيرة للحرب بين الحق والباطل.
|
|
| |
| تاريخ المساهمة 13.02.12 20:30 | |
|
|
| |