| تاريخ المساهمة 09.04.12 11:34 | |
.في ظلال فهوم ابن عربي النورانية : ( مقدمات عامة ، في دائرة التنزيه)
بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صل على سيدنا محمد النور الذاتي و السر الساري في سائر الأسماء و الصفات و الأوقات ، وعلى آله و صحبه و سلم تسليما ، و بعد تتنوع العلوم التدبرية في أصولها الإجتهادية بحسب كل مقام و لي ، و أحيانا تطغى عليها الأقيسة و التشبيهات ، و تكون في صورتها عين العلم ، كالمرآة تجلو تلك الشبهات عن قائلها ، فتكون الصورة طبق الأصل لما نريد أن نعرفه عن مقامات القربة ، و التي كانت و لازالت بين التصديق و الأنكار. في كتابه فصوص الحكم ، كتب بإشارات نبوية صريحة ، إشارات عن الكمال الذي تدرج فيه الأنسان منذ سيدنا آدم عليه السلام ، فالوجود الإنساني في أنصع صورته ، أنموذج للكمال الذي أراد أن يراه الله في خلقه ، فالإنسان هو الخليفة والوارث و الصديق و الفاروق و المحدث و الولي ، واحد الله في أرضه ، تجلي خاص للأحدية و الواحدية و الفردانية ، تربى عليها منذ أن أوجده الله تعالى ، و جعل القلب حاسة للتلقي و العلم و التعلم وتمام الرؤية. كانت الرسالات و النبوة تمهيدا للعلوم و المعارف ، وتوطئة للكمال الإنساني الذي بلغ غاية السمو في الرسالة المحمدية. فكيف نفهم الفصوص كخاتمة و خلاصة للسير الإنساني ، وكيف كانت نسبة العبد مع ربه نسبة ولاية و اعتصام و توجه و استمداد ، وكيف كان الحضور النبوي مستمرا عبر الأزمان بالإذن و الوراثة ومد اليد؟ و كلها بحسب ابن عربي علوم متنزهة عن التأويل ، محفوظة من الألتباس و التلبيس الشيطاني ؟. يقول الإمام ابن سودكين في شرح تجليات الكمال ص ، 195: " ...لسان هذا التجلي لسان الحق من حيث أحديته ن فأنه من هذه الحيثية بكل شيء عين كل شيء. فالتجلي من حيث هذه الحيثية إذا ظهر في شيء ، ظهر بكل شيء فيه. و الإنسان المتحقق بالوسطية الكمالية القاضية بتمانع القيود الجمة فيها ، قابل لتجلي الحق من حيثية أحدية جمعه كان التجلي عين قابلية كل شيء ، كبصر الإنسان مثلا .كانت في قابلية الأبصار و كل السماع و كل الأذواق و الشموم و اللموس. فكما أن عمل بصره عمل سائر أخواته حالتئذ كان التجلي الذي هو عين بصره ، عين المبصرات و المسموعات و المذوقات و المشمومات و الملموسات الجمة و نحوها. هكذا اعتبر في كل جزء من أجزاء الإنسان و قس حال الإنسان الكبير على حاله . فالإنسان حالتئذ شهد كل شيء بشهود أحدية جمع الحق في كل جزء فيها قابلية كل شيء....) ، استعداد العبد لمثل هذا المدد ، راجع لسوخ قدمه في معرفة ماهية جوهره أولا ، ثم في الفيض الإلهي و السابقة. ثم يقرر رضي الله عنه هذا السر الوجودي قائلا : ( ....اعلم أن السر الوجودي ، المنصب على القابلية الإنسانية ، بسراية حكم الإيجاد ، إنما يطلب دوام تقيده بتعينه الوجودي، القاضي ببقاء وجوده الخاص به. و الحق المشروع له ، بنسبة : كنت له سمعا و بصرا و يدا ، إنما يطلب سراحه و إطلاقه عن قيده اللازم به ، ليرجع بانقلاعه عن ذلك ، إلى أصله المطلق. فوقعت ، باعتبار الطلبين ، المجاذبة المعنوية. فنزلها قدس الله سره منزلة المخاصمة. فقال مترجما عن الحق المشروع له : تعال ، ندخل على الحق المطلق ، الذي فيه يظهر كل شيء ، بصورة مجموع الأمر ووصفه وحكمه ليحكم بيننا على مقتضى حكم الإطلاق الذاتي .فيعمنا إطلاقه شمولا إلى الأبد.) ص 198 ، من نفس الكتاب. لابد من منازلة ، بحسب الشيخ الأكبر في ميدان المخاصمة ، و يعني بها محاصرة حظ الشيطان على سائر المدركات و الحواس ، وتصفيتها من كل ظلمة من ظلمات الأكوان ، وقد يكون حجاب العبد عن مثل هذه المنازلة ، إمدادات نورانية ، تقعده على بساط الراحة و التنعم ، فلا يدخل حضرة الحق المطلق ، حتى يقطع عنه سائر هذه الحجب. ثم يقر ر ضي الله عنه هذه الحقيقة في التباس الأمر عن العبد فيقول : ( هذا التجلي يعرف الإنسان منه دقائق المكر و الكيد و أسبابه ومن أين وقع فيه من وقع ، فإن ذلك من مواقع الإلتباس. إذ المقصود لعينه في المكر و الكيد و الخذيعة و نحوها ، ملتبس بما هو المقصود بالعرض . ومن مواقعه ايضا ، معرفة كون الإنسان في تحليته بصفات التنزيه هل هو متحل بصفة الحق ، أو بصفة نفسه ، ولذلك قال قدس الله سره : - و يعرف الإنسان بتحليه بما هو من عليه من الأوصاف- فإن الإنسان إذا وحد أو نزه ، عاد توحيده و تنزيهه إليه و قام به ، إذ الحاصل من الحادث لا يقوم بالقديم ، فليحذر الإنسان مما يحجبه عن الحق تعالى فإنه إذا أضاف إلى الحق ما ليس له و لا يليق به حجبه جهله عنه تعالى) ص 70 ، من نفس الكتاب. وعلى هذا ، فإن تنزيه العبد بحسب ابن عربي رحمه الله تعالى ، منفرد بالطلب الإستعدادي ، "فأنه يطلب المستعد له طلبا حيثيا ، فإن الاستعداد مأخوذ من قولهم : اعتد فلان لطلب الشيء الفلاني.و الشيء يطلبه المزاج كما تطلبه المرتبة إذا ظهر في الوجود ، و لكن هذا الطلب الإستعدادي الكلي قد تعرض موانع بينه و بين المطلوب ، و قد تكون لحصوله على المطلوب شروط يتوقف على وجودها ، و الموانع و الشروط قد تكثر ، فيطول الأمد و يبعد الحصول على المطلوب ، و قد تقل ، و قد لا تكون موانع و لا شروط ، فيحصل المطلوب بسرعة بلا تعمل و لا تعب. و العمل في رفع الموانع و حصول الشرائط لحصول ما هو مطلوب بالإستعداد الكلي الذاتي هو الأستعداد الجزئي، مثلا كل إنسان -من حيث إنسانيته و حقيقته- مستعد بالإستعداد الكلي إلى ظهور الصورة الإلهية فيه ، و لكن قد يتوقف حصول هذا التجلي المستعد له بالإستعداد الكلي على رفع موانع و حصول شرائط- كما قلنا - فخوض السالك لطريق أهل الله تعالى في الرياضيات النفسية و المجاهدات البدنية و معانقة الآداب الشرعية لرفع الموانع الطبيعية ، و الإقتضاءات الشهوانية النفسية ،و تحصيل الشرائط بتصفية محل التجلي و تنويره بالأذكار ، ومواصلة الأعتبار ، و التعرض لنفحات الحق تعالى بالأسحار ، هو الأستعداد الجزئي العرضي ، و هذا ما ذكره بعض الأكابر ، وهو أن المرآة من حيث هي مرآة ، لها قابلية لأن ينظر الملك فيها وجهه ، و ليس لها استعداد لأن ينظر فيها وجهه ، إلا إذا كانت محلاة بأنواع الجواهر ، مزينة بالحلي الفاخر ، فغير القابلية عن الإستعداد الكلي الذاتي ، و بالاستعداد عن الاستعداد العرضي الجزئي ، و الاستعدادات الكلية الذاتية غير مجعولة ، فلا توصف بالخلق ، فلهذا هي لا علة لها ، و لا يقال عليها " لم" ؟ ." مقتبس من كتاب المواقف الروحية ، للإمام عبد القادر الجزائري ، ص 34 ، 35 م/2. يقول الشيخ عبد السلام ياسين ، في فقرة ابك على نفسك : (لم يكن ابن القيم بدْعاً من العلماء في صحبته لشيخ أخذ بيده حتى أراه مطالع الإيمان، وحتى رآى على يده آثاراً عظيمة "محجوبة عن زمرة العميان". وقد رأينا نماذج من سعي العلماء إلى المشايخ الربانيين يجثون أمامهم على الركب. وما منهم إلا من أخبر عما آتاه الله من الفضل حين "ورد" الكأس الصافية. وقد تركوا لك شهادات مشفقة على شكل نداء لفطرتك يَسْتَنْهِضُونَكَ لتطلب كما طلبوا وترِد كما وردوا. فاجلس معي لأسمِّعك عسى أن تتيقَّظ همتك، وتَنْبعث، وتسير، وتصحب، وتذكر الله، وتحب الله ورسوله، وتبلغ مبالغ الرجال، فأكونَ السعيد بأن أجدك في صحيفتي ونلتقي هناك في رحمته، بمحض فضله وكرمه، إنه سبحانه الكريم. قالَ لَكَ الشيخ الإمام القدوة مولانا عبد القادر الجيلاني قدس الله سره: "يا غلام!(...) دَأبُ الله عز وجل مع عباده المصطَفَيْنَ المُجْتَبَيْنَ أن يقطعهم عن الكل، ويبْتليهم بأنواع البلايا والآفات والمحن، ويُضيق عليهم الدنيا والآخرة وما تحت العرش إلى الثرى. يُفْني بذلك وجودهم، حتى إذا أفْنى وجودهم أوْجدهم له لا لغيره، أقامهم معه لا مع غيره. يُنشئهم خلقا آخر كما قال عز وجل: ) ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ، فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ( (سورة المؤمنون، الآية: 14). الخلق الأول مشترك (مع سائر بني آدم)، وهذا الخلق مفرد. يفرده عن إخوانه وأبناء جنسه من بني آدم. يغير معناه الأول ويُبَدِّله. يُصَيِّرُ عاليَه سافلَه. يَصِيرُ ربانيا روحانيا". وخاف عليك شيخ الإسلام ابن القيم أن لا تصدق التحويل الذي يحول الله أولياءه، فقال لك: "وما أظنك تصدق بهذا! وأنه يصير له وجود آخر. وتقول: خيال ووهم! فلا تعجل بإنكار ما لم تُحط بعلمه، فضلا عن ذوق حاله، وأعط القَوْسَ بارِيَها وخلِّ المطايا وحادِيَها". وقال لك الشيخ عبد القادر قدس الله سره: "ويحك! تدعي أنك منهم! ما علامتهم عندك؟ ما علامة قرب الحق عز وجل ولطفه؟ في أي منزلة أنت عند الحق عز وجل وفي أي مقام؟ ما اسمك وما لقبك في الملكوت الأعلى؟". وقال: "يا منافق! طهر الله عز وجل الأرض منكَ! ما يكفيك نفاقك حتى تغتاب العلماء والأولياء والصالحين بِأكْل لحومهم! أنت وإخوانك المنافقون مثلُك عن قريب تأكل الديدان ألسنتكم ولحومكم، وتقطعكم وتمزقكم.( … ) لا فلاح لمن لا يُحسن الظن بعباد الله عز وجل وبعباده الصالحين ويتواضع لهم. لِمَ لا تتواضع لهم وهم الرؤساء والأمراء؟ من أنت بالإضافة إليهم؟ الحق عز وجل قد سلم الحل والربط إليهم. بهم تمطر السماء وتُنبت الأرض". وقال: "يا غلام! تفكر في أمرك!(...) ما أنت صادق ولا صِدّيق ولا مُحب ولا موافق ولا راض ولا عارف! قد ادعيت المعرفة بالله عز وجل: قل لي ما علامة معرفته؟ إيشْ ترى في قلبك من الحُكْم والأنوار؟ ما علامة أولياء الله عز وجل وأبدال أنبيائه؟". وقال: "هذا العبد الذي وصل إليه( … ) يصير مِطْرَقاً للخلق جَهْبَذاً (أي خبيرا كاشفا للعيوب المبطنة) سفيراً دالاًّ إلى باب الحق عز وجل. فحينئذ يدعى في الملكوت عظيما. ( … ) لا تَهْذِ! أنت تدعي ما ليس لك، وما ليس عندك! أنت نفسُك مُستولِيَةٌ عليك والخلق والدنيا كلها في قلبك! هما في قلبك أكبر من الله عز وجل. أنت خارج عن حدِّ القوم وعدِّهِم. إن أردت الوصول إلى ما أشرتُ إليه فاشتغل بطهارة قلبك( … )، واصبر مع القَدَر، وأخْرج الدنيا من قلبك. وبعد هذا تعال إليَّ حتى أتكلم معك( … ). وقبل هذا فالكلام هَذَيانٌ!". واقرأ أخي وأختي ولو مرة كتاب "الفتح الرباني" فكله رسالة واحدة، وصية واحدة، من هذا الرجل المبارك الذي أجمعت الأمة على توقيره. وإن كان في الكتاب أحاديث ضعيفة وواهية فإن شيخ المحدثين الإمام أحمد رحمه الله لا يرى بأسا في الاستشهاد بالضعيف في فضائل الأعمال. وأوصاك الإمام الجليل القدوة الشيخ أحمد الرفاعي قدس الله سره فقال: "أي أخي! أين أنت؟ في أي واد؟ تهيم في وادي وهمك! تَسرح في ميادين قطيعتك! اللهَ اللهَ بك! أحْرِصُ عليك والله أن تنقطع! أخاف عليك أن تخذل!(...) يا أخي لا تَحْرِدْ (لا تهرب) مني إذا انقطعتَ وأنت تظن الوصل، ورأيت أنك عالم وأنت على طائفة من الجهل. فقد فاتك السَّوْمُ، وسبقك القوم، وعمك اللوم". وترك لك عندي نصيحة أخرى تقول: "أيْ محجوب! تزعم أنك اكتفيت عنا بعلمك! ما الفائدة من علم بلا عمل؟ ما الفائدة بعمل بلا إخلاص؟ الإخلاص على حافة طريق الخطر من ينهض بك إلى العمل؟ من يداويك من سم الرياء؟ من يدلك على الطريق القويم بعد الإخلاص؟". ووصية أخرى تقول: "أي سادة! أحذركم الدنيا! أحذركم رؤية الأغيار! الأمر صعب، والناقد بصير. إياكم وهذه البطالات! إياكم وهذه الغفلات! إياكم والعوالم! إياكم والمحدثات! اطلبوا الكل بترك الكل. من ترك الكل نال الكل. ومن أراد الكل فاته الكل. كل ما أنتم عليه من الطلب لا يُصلحه إلا تركه والوقوف وراءه. وحِّدوا المطلوب تندَرِجْ تحت توحيدكم كل المطالب. من حصل له الله حصل له كل شيء، ومن فاته الله فاته كل شيء". إن كان ما قرأته من وصايا الرجال هيج شوقك، فاسمع قوارع الكلام يحاول به أهل الله وخاصته أن يَخِزُوا به همتك وأنَفَتك وخزاتٍ مؤلمة عساك تنهض ولا ترضى بما دون اللحاق بهم ومنافستهم وسبقهم. ولم لا تطلب والله لا يزال وهَّاباً كريما! رجل من بني آدم طلب فوجد، وسلك فوصل يخاطبك: "يا من باع كل شيء بلا شيء، واشترى لا شيء بكل شيء! قد اشتريت الدنيا بالآخرة، وبعت الآخرة بالدنيا! أنْتَ هَوَسٌ في هَوَس! عَدَم في عدم! جهل في جهل!". ويخاطبنا وقد هاج عليه إخلاصه قائلا: "إن أردت الفلاح فاصبرْ على مطارق كلامي. إني إذا أخذني جنوني لا أراك! إذا ثار طبع سري، طبع إخلاصي، لا أرى وجهك! وأريد الصلاح وإزالة الخبث عن قلبك، وأطفىء الحريق عن بيتك، وأصون حريمك.(...) أنت كسلان! أنت جويهل! ألَيْكِع! عندك أنك أعْطِيتَ شيئا! كم سَمَّنَتْ الدنيا مثلك وأكلته؟ سمنته بالجاه والكثرة ثم أكلته. لو رأينا فيها خيرا ما سبقتنا! )أَلاَ إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأمُورُ( (سورة الشورى، الآية: 53)". ويخاطبنا معاشر الخربين من الباطن بحدَب الحريص المُشفق فيقول: "إذا صفا السر تَعدّى الصفاء إلى القلب والنفْس والجوارح والمأكول والملبوس، وتعدى إلى جميع أحوالك. أولُ ما يَعْمُر داخلُ الدار، فإذا كملت عمارتها خرج إلى عمارة الباب. لا كان ظاهر بلا باطن! لا كان الخلق بلا خالق! لا كان باب بلا دار! لا كان قُفل على خَرِبَة! يا دنيا بلا آخرة! يا خلقا بلا خالق! جميع ما أنت فيه لا ينفعك يوم القيامة". )كتاب الإحسان الفصل الأول.( عقبة و اقتحام). ليس بعد التصوف بحسب رأي المعاصرين ، سوى أن ينتقل من لهم تربوي ، من فيض المصطلحات ، إلى الترتيب العلمب العملي للتربية ، في صقل قابليات الأنسان نحو السير إلى الله ، و لعل من لهم هم في تاصيل هذا العلم و الذوذ عنه ، أن ننتقل من المكسب الثمين ، من القدسية إلى نوع من النقد و التقويم البناء نسال الله تعالى أن يرحمنا آمين. لا شك أن العلوم الأكبرية إن صح التعبير ، موطن الشك و الريبة ، لكنها تظل في تميزها شاهدة على ما أعطاه الله تعالى لابن عربي رضي الله عنه. منقوووووول
|
|
| |
| |
| |
| تاريخ المساهمة 05.07.12 23:06 | |
|
|
| تاريخ المساهمة 16.08.12 20:59 | |
جزاك الله خيرا اخى الغالى
|
|