إضافة جمادى الأولى 1428 هـ
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد؛ فإخوتي في الله، والذي فلق الحبة و برأ النسمة إني أحبكم في الله،
وأسأل الله جل جلاله أن يجمعنا بهذا الحب في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله،
اللهم اجعل عملنا كله صالحاً، واجعله لوجهك خالصاً، ولا تجعل فيه لأحد غيرك
شيئاً.. أحبتي في الله قال الله تعالى لأصحاب نبينا رضي الله عنهم: {فَإِنْ آَمَنُوا بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ} [البقرة:137]. فلم يرْضَ اللهُ عز وجل إيماناً إلا على نحو يوافق إيمان هؤلاء الصفوة.. نعم، إمَّا إيمانُ الصحابةِ الذين رضىَ اللهُ عنهم وتابَ عليهِم، وإمَّا التفرُّقُ والاختلافُ والتَّشَرْذمُ [فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ] . ففي العقيدةِ: فلابدَّ من
الطلبِ على منهجِ السَّلفِ الصَّالحِ- رضوان الله عليهم – وهُم الصَّحابةُ
ومن تبعهُم بإحسانِ إلى يومِ الدينِ، وقد زكَّى اللهُ فهمَهم، وأمرنَا أن
نلقاهُ سبحانه بإيمانٍ كإيمانِهِم. فلا بدَّ من دراسةِ عقيدةِ
السلفِ الصحيحةِ، وفهم نصوصِ الكتابِ والسنةِ في أنواعِ التوحيدِ
بفَهمِهِم، والاستقاء من علومِهِم، والنهل من منابعِهِم، وإلا فالضلالَ
الضلالَ. قال صلى الله عليه وسلم: "إنَّهُ
مَنْ يَعِشْ مِنْْكُمْ بَعْدِي فسَيَرَى اخْتلاَفًا كَثِيرًا. فَعَلَيْكُم
بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الخُلَفَاَءِ الرَّاشِدِينَ المَهْدِيّينَ مِنْ
بَعْدِي، عَضُّوا عََلَيْها بالنَّواجِذِ، وإيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ
الأُمورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالةٌ" [جزء من حديث أخرجه أبوداود (4607) ك: السنة، باب: في لزوم السنة، وصححه الألباني في"صحيح أبي داود" (3851)]. والعودة للفهم الأصيل "فَهْمِ السَّلَفِ الصَّالِحِ"
أصبح اليومَ ضرورةً مُلِحَّةً؛ وذلك لجمع شتات الأمة، فتتوحد كلمتهم بتوحد
الأصول، فيقل التنازع والتشاحن الذي ابتليَ به المسلمون في هذه الأيام،
وكل هذا لأنَّا لم نَعِ الوصية النبوية. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وتَفْتَرِقُ
أُمَّتِي عَلََى ثِلاثٍ وَسَبْعِنَ مِلَّةً كُلُّهم في النَّار إلا
مِلَّةً وَاحِدةً. قاُلوا: وَمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: مَا أنا
عَلَيْه وأَصْحابِي" [أخرجه الترمذي (2641) ك: الإيمان، باب: ما جاء في
افتراق هذه الأمة، وقال حسن غريب، وحسنه الألباني(5343) في صحيح الجامع].
وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ}. فقد دلـنا صلى الله عليه وسلم
على الفرقة الناجية، فاحرص على النجاة – أخي في الله -، وانضمَّ إلى هذه
الفرقة، واحرص في بداية التعلم أن يكون التلقي على منهج السَّلفِ
الصَّالحِ، فإن لذلك أَثَراً في استِقامتِك على الطريقة، فمن صحت بدايته
صحت نهايته، فأصلح نيتك عسى الله أن يصلح بك، فشتات الأمة اليوم يُفجِعُ كل
قلب، فإن كان طلب العلم ضرورة، فطلبه على منهج السلَفِ ضرورتُه أشدُّ،
وتأتي تلك الضرورة في الوقت الحاضر بالذات؛ لأنَّه لابدَّ للأمةِ من معالم
صحيحةٍ في طريق عودتها إلى الله-عزَّ وجل-، تبيِّنُ لها المنهجَ الصحيح في
فََهمِ العقيدةِ، التي هي القاعدةُ الأساسيةُ لبناءِ المجتمع الإسلامي
الصحيحِ. وما لَمْ يكن المنهج الذي
يُتَّبعُ صحيحًا، فإن اليقظة الإسلامية ستنحرفُ عن مجراها السليم، ونحن
نعتقد اعتقاداً جازماً أن منهج أهل السنَّةِ والجماعةِ في فَهمِ العقيدةِ
الإسلامية هو المنهجُ الصحيحُ الذي يجبُ تقديمُه للأمةِ الإسلاَميةِ
اليومَ، لكي تُصبح بحقٍّ أمةً مسلمةً تستحقُّ نصرَ اللهِ ورِضوانَه. وفي
هذا المنهج صيانة للعقل البشري من التمزق والانحراف، وللمجتمع من الفرقةِ
والضَّلال، ولم يحدث الانحراف في الأمة إلا عندما انحرفت عن هذا المنهج،
وأعرضت عن وحي الله-عز وجل-إلى مناهج بشرية؛ بعضها من مُخلَّفاتِ الفلسفة
اليونانية الوثنية، وبعضها من نتاج العقول المنحرفة الجاهلة بدين الله،
فتفرقت الأمة إلى طوائف ومذاهب، لكل منها منهجُه،وطريقُه، وإمامُه،
وأتباعُه. وقد قيَّضَ اللهُ – عزَّ وجل –
في كل فترة من فترات الضعفِ والانحرافِ علماءَ مصلِحينَ يحفظُون عقيدَة
الأمة ويحرسونها، ويَرُدُّون على من خالفها أو عارضها، من صدرِ الإسلام إلى
اليوم وإلى أن تقومَ الساعةُ بمشيئةِ اللهِ تعالَى.
ما هي العقيدةُ؟
العقيدةُ لغةً: من العَقْدِ والتوثيقِ والإحكامِ والَّربطِ بقوَّةِ.
واصْطلاحًا : الإيمانُ الجازم الذي لا يتطرق إليه شك لدى مُعْتَقِدِه.
قيل :معنى العقيدة:
"هي مجموعة من قضايا الحق البديهية المسلَّمةِ بالعقل والسمع والفطرة،
ويعقِدُ علَيْها الإنسان قلبه، ويثني عليها صدره، جازماً بصحتها قاطعاً
بُوجوبِها وثُبوتِها، لا يَرَى خلافَها أنه يصحُّ أو يكونُ أبدًا ". فالعقيدة الاسلامية تعني:
الايمان الجازم بالله تعالى، وما يجب له من التوحيد والطاعة، وبملائكته،
وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر، وسائر ما ثبت من أمور الغيب،
والأخبار، والقطعيات، علمية كانت أو عملية. وإذا كنت حبيبي في الله مطالبا بعقيدةِ سلفيةٍ، فهل يا تُرى تعرفُ مَنِ السَّلفُ؟
من هم السلف، وما هي السلفية؟
السلف:
هم صدر هذه الأمة من الصحابة، والتابعين، وأئمة الهدى في القرون الثلاثة
المفضلة، ويطلق على كل من اقتدى بهؤلاء وسار على نهجهم في سائر العصور: "سلفــي" نسبةً إليهم. وقد كان يطلق عليهم في
البداية "أهلُ السنَّةِ" لما كانوا هم المتبِعين لسُنَّةِ رسول الله صلى
الله عليه وسلم، المُقتَفِين للأثرِ، فسُمُّوا: "أهل الأثرِ"، و"أهل
الحديث". ثم لما انتشرت البدع صار يطلق عليهم "أهل السنة والجماعة". و"أهل السنة والجماعة": هُم
من كان على مثل ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وسُمُّوا "الجماعةَ"
لأنهم الذين اجتمعوا على الحق ولم يتفرقوا في الدين، واجتمعوا على أئمة
الحق؛ ولم يخرجوا عليهم، واتبعوا ما أجمعَ عليه سلف الأمة. ولما صار من المبتدعة من ينسب نفسه إلى هذا اللقب الشريف، كان لزاماً أن يمتازُوا عن غيرهم، ومن هنا نشأ مصطلحُ "السلفيَّـةِ" نسبة إلى سلف هذه الأمة من أهل الصَّدْرِ الأول ومن اتَّبعَهم بإحسانٍ.
من أبرز قَضَايا العَقِيدةِ الّسَّلَفيَّةِ
من أهم قضايا العقيدة السلفية "مسألةُ الصِّفاتِ"
فإن أكثر الخلاف فيها، وخلاصة القول فيها: أن أحاديث وآيات الصفات
نُمِرُّها كما جاءتْ دونَ تَعطِيلٍ، أو تأويلٍ، أو تشبيهٍ، أو تمثيلٍ. فنُثبتُ أن لله يداً، ولكن ليست كأيدينا، يداً تليقُ بجلاله وكماله،{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}[الشورى: 11] ونثبت أن الله ينزلُ، ولكن لا كنُزُولنا، وإنما نزولاً يليقُ بجلالهِ وكمالهِ { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}[الشورى:11]. وهكــذا..
قواعد وأصول أهل السنة والجماعة في منهج التلقي والاستدلال
يقوم المنهج السلفي على قواعد وأصول تضبط منهج التلقي والاستدلال، فمن ذلك:
أولاً: مصدر العقيدة هو: كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم الصحيحة، وإجماع السلف الصالح.
ثانياً: كل ما صح من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وجب قبوله، وإن كان خبر آحاد.
ثالثاً:
المرجع في فهم الكتاب والسنة هو النصوص المبينة لها، وفهم السلف الصالح،
ومن سار على منهجهم من الأئمة، ثم ما صح من لغة العرب، لكن لا يعارض ما ثبت
من ذلك بمجرد احتمالات لغوية.
رابعاً: أصول الدين كلها، قد بينها النبي صلى الله عليه وسلم، وليس لأحد أن يحدث شيئاً زاعماً أنه من الدين بعده.
خامساً:
التسليم لله ولرسوله ظاهراً وباطناً، فلا يُعارَض شيء من الكتاب أو السنة
الصحيحة بقياس، ولا ذوق، ولا كشف، ولا قول شيخ، ولا إمام، ونحو ذلك.
سادساً: العقل الصريح موافق للنقل الصحيح، ولا يتعارض قطعياً معهما، وعند توهم التعارض يُقدَّم النقل.
سابعاً:
يجب الالتزام بالألفاظ الشرعية في العقيدة، وتجنب الألفاظ البدعية،
والألفاظ المجملة المحتمِلة للخطإ والصواب يستفسر عن معناها، فما كان حقاً
أُثبت بلفظه الشرعي، وما كان باطلاً رُدَّ.
ثامناً:
العصمة ثابتة للرسول صلى الله عليه وآله وسلم، والأمة في مجموعها معصومة
من الاجتماع على ضلالة، وأما آحادها فلا عصمة لأحد منهم، وما اختلف فيه
الأئمة وغيرهم فمرجعه إلى الكتاب والسنة، مع الاعتذار للمخطئ من مجتهدي
الأمة.
تاسعاً:
في الأئمة محدّثون مُلهمون، والرؤيا الصالحة حق، وهي جزء من النبوة،
والفراسة الصادقة حق، وهذه كرامات ومبشرات، بشرط موافقتها للشرع، وليست
مصدراً للعقيدة ولا للتشريع.
عاشراً:
المراء في الدين مذموم، والمجادلة بالحسنى مشروعة، وما صح النهي عن الخوض
فيه وَجَبَ امتثال ذلك، ويجب الإمساك بالحسنى عن الخوض فيما لا علم للمسلم
به، وتفويض علم ذلك إلى عالمه سبحانه.
حادي عشر: يجب الالتزام بمنهج الوحي في الرد، كما يجب في الاعتقاد والتقدير، فلا تُرَدُّ بدعة ببدعة، ولا يقابل التفريط بالغلو، ولا العكس.
ثاني عشر: كل محدثة في الدين بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. اللهم اهدنا الصراط المستقيم
صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين
آمين، وصلى الله على سيد المرسلين، والحمد لله رب العالمين
نقلا من موقع فضيلة الشيخ للأهمية
[/center]