.سبائك الذهب ، في أسرار من سلك في اقتحام العقبة إلى الله)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد و على آله ، وصحبه و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، اما بعد
يظل حبل الله الممدود بين الأرض و السماء كتابه الوحي المسطور و تجلياته في الكون المنشور آيات بينات على قدرته وجلاله المطلق ، وكماله التام الذي ليس كمثله شيء ، فلا تنقطع من آيات الرحمان الإشارات فينضب منه معين كل ولي ، و متلق و طالب لجمال الله وتعالى و بره ، فيسلك الطريق في عنايته لا يعرف الخور و الضعف و الوهن.
ثم يأتي الحبل الله المتين ، أهل بيت رسول الله صلى الله عليه و سلم ، وقد كانت فهومهم فيه تتفاوت بحسب كمالاتهم و طرائقهم في التربية و التعليم و التزكية و التمريض.كانوا ملاذا عبر الأزمنة ، و السراج المنير ، ومنهم كان الدعاة إلى الله بإذنه من أولياء كمل مرشدين رضي الله عنهم و أرضاهم.
يقول مولانا الحكيم الترمذي في نصوصه الحكيمية : ( و الأولياء عندنا على صنفين : صنف أولياء حق الله ، و صنف أولياء الله.و كلاهما يحسبان أنهما أولياء الله.
فأما ولي حق الله فرجل أفاق من سكرته. فتاب إلى الله تعالى ، و عزم على الوفاء لله تعالى بتلك التوبة .فنظر إلى ما يراد له في القيام بهذا الوفاء فإذا هي حراسة هذه الجوارح السبع : لسانه و سمعه و بصره و يده و رجله و بطنه و فرجه. فصرفها من باله ، و جمع فكرته و همته في هذه الحراسة ، ولها عن كل شيء سواها ، حتى استقام.فهو رجل مؤدي الفرائض حافظ للحدود ، لا يشتغل بغير ذلك .يحرس هذه الجوارح حتى لا ينقطع الوفاء لله تعالى بما عزم عليه.فسكنت نفسه ، وهدأت جوارحه.
فنظر إلى حاله ، فإذا هو على خطر عظيم : لأنه وجد نفسه بمنزلة شجرة قطعت أغصانها و الشجرة باقية على حالها .فما يؤمنه أن يغفل عنها قليلا فإذا الشجرة قد بدت لها أغصان ، كما كان بديا ، فكلما قطع خرج من مكانها مثلها.فقصد الشجرة ليقطعها من اصلها ، ليأمن من خروج أغصانها، فقطعها. فظن أنه قد كفى مؤنتها ، فإذا أصلها قد بدت منهه أغصان !!!!! فعرف أنه لا يخلص من شرها دون يقعلها من أصلها .فإذا قلعها من أصلها استراح.) كتاب ختم الأولياء ص 118، 119.
يبدأ سلوك الفرد بمجرد إسلامه و نطقه بالشهادتين ، ثم ليتدرج في مدارج الأيمان بحسب كسبه وفق سابقة الله تعالى و عطائه ومنه.
و لايستقيم إسلامه و أيمانه حتى تفيض عليه كلمة لا إله إلا الله ، بآدابها و فهومها ثم بركتها ومددها و فيوضها.
و قد أوتي الرعيل الأول الإيمان قبل القرآن !!!!.
فمن أين كان تلك الإمدادادت و البركات ، وذالك التلقين و العلم بحقائق افيمان و تذوقها.؟.
يقول الله تعالى في سورة البلد : ( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ (1) وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ (2) وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ (3) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ (4) أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ (5) يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا (6) أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ (7) أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (
وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ (9) وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (10) فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (16) ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17) أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (18) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (19) عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ (20)) سورة البلد
ففي السورة ، إشارات على حقيقة الإنسان باعتباره المقصود بالخطاب ، و المنوط بالتوجيه ، والدلالة على المن الإلهي في مسالة أدوات و وسائل السير إليه ، ثم تنبيه على مكانة الداعي إلى الله تعالى ، وحرمته و مقامه من الله تعالى ، والمقصود به مولانا محمد صلى الله عليه وسلم.
1.في الإشارات الواردة في سورة البلد :
كيف أتلقى القرآن الكريم ؟ بل الوحي حيا غضا طريا كأني أسمعه من فم مولانا الحبيب صلى الله عليه وسلم.
أجمع أهل الله تعالى أن ذلك لايتأتى بالتسليم التام للولي المربي ، أو صاحب الوقت ، وفي نفس الوقت الإكثار من ذكر الله تعالى ، ثم الصلاة على خير البرية صلى الله عليه وسلم بالصيغ النبوية المأذونة.
و قد يكون العبد قائما بما يراد منه ، لكن الفهم قد لا يتاتى له لعلة من العلل أو أسباب من الأسباب و يلخصها أهل الله تعالى في طلب حظوظ النفس. فالنفس تتعشق و تهوى الخصوصية ، ومن كانت الخصوصية منى قلبه وسلوكه و طلبه ، ما ذاق و شم رائحة الفهم عن الله تعالى و الله أعلم !!!!!!.
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قصد قوما أو قصدوه قرأ عليهم آيات من كتاب الله عز وجل، فكان فيها البلاغ، أبصرت قلوب قوم وعقولهم أم عميت. وكذلك أمره الله سبحانه حين بين له أن القرآن هو الهداية في مثل قوله : ﴿إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم﴾ ، وبين له أن تلاوة القرآن على المؤمنين تزيدهم إيمانا في قوله عز من قائل : ﴿إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا ﴾ .
(.....وقد وصف الله عز وجل لنا تأثير القرآن العميق في قلوب الذين سمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعقولهم. قال تعالى يخبرنا عن حال جماعة من النصارى تحولوا إلى الإسلام : ﴿ وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين ﴾ . هكذا معرفة الحق تتسرب مباشرة من القرآن المسموع بالقلب والعقل، لا وسائط فكرية ولا "مفاهيم" يألفها نصارى العرب دون سائر العرب.
فأي شيء يتسرب، أي شيء يتوقع أن يتسرب، من قنوات المفاهيم والإشكالية والجهاز المفهومي ؟ ألا يوشك الريح الجارف أن يلقينا إلى تلك الأجواء المختلطة حين نفتح نوافذ الحوار ليستنشق قوم هواءنا ؟
مهلا مهلا ! إن تعاملنا بمرونة الحكمة مع أساليب الفكر المعاصر يدخل في إطار -ها أنت ترى المترجم يلاحقنا !- تعاملنا مع الواقع المعاصر الكلي. كان الإسلام في مولده القوة الناهضة في العالم، لم يلبث الإسلام أن ساد جنده، فكان القرآن في تلك المراحل هو الخطاب وهو المعرفة وهو الحق. أما الآن فالمسلمون حاملو دعوة الإسلام قابعون في زاوية متواضعة منهزمة جدا من زوايا التاريخ المعاصر والواقع الحضاري المعاصر رغم أعدادهم الكبيرة. أفكار أخرى تدير الفكر البشري، وقيم، وعلوم، وتكنولوجيا.
ويبزغ في أفق التاريخ المعاصر أمل جديد للإسلام، طليعة متحفزة لا مناص لها من أن تغشى كل المنتديات، وأن تلج كل الأبواب، وأن تداخل العالم وتخالطه، وأن تخاطب بكل فصاحة وبكل آلة للبيان، شأن الواثق بذاتيته، المعتز بشخصيته. وإن نصاعة بياننا حين نعرب عما يريده جند الله وما يخططون إحداثه في حياة الأمة والعالم لمن أجل وسائل الدعوة. هاهم أولاء المثقفون والعالم أجمع يذكرون الإسلام بانبهار لما يرونه من "بطولات" المجاهدين المسلمين في جنوب لبنان. لأول مرة ينهزم جيش اليهود، لأول مرة يقوم المسلمون بحرب شعبية لا هوادة فيها ولا تراجع رغم القمع الوحشي. هذه الأحداث هي التي ستجعل المثقفين من بني جلدتنا يحترمون في قرارة أنفسهم الإسلام، فتتغير نظرتهم إليه، ويبحثون عن فهم جديد لدين الأمة مرتبطا بطموحها ومستقبلها لا بماضيها المجيد فقط ولا بحاضرها الكئيب. "بطولات" المجاهدين في أفغانستان قمة رغم فرقة ذلك الجند الكريم. أمريكا بخيلائها وكبريائها وعملائها اليهود تنهزم في لبنان، روسيا أجلبت على إخواننا الأفغان بكل ما لديها من عتاد متطور أعدته لتقاوم به وتغزو العالم المصنع والقوة المنافسة، فإذا بجماعات معها الإيمان بالله عز وجل ومعها حب لقائه بالموت في سبيله تصنع العجائب. ) <1>
يقصد بالبد الحرام مكة موطن البيت العتيق ، حيث حل الحبيب صلى الله عليه وسلم هاديا و مبشرا ، بالوالد مولانا إبراهيم عليه السلام ، ثم ما ولد ذرية مولانا إسماعيل عليه السلام ، و فيهم كانت النبوة الخاتمة ، وأسرار الختم و الكتم ، و تجلي الله الحق في أكمل صورته الكاملة مولانا الحبيب صلى الله عليه وسلم ، فهو من فاضت و نمت و تدفقت وسرت حقائق الأسماء به و فيه و بمدده في سائر الأكوان ، فهو سر كل ولي ، ونوره الباطن فيه ، فمن أراد صحبة راشدة بحث عمن صحب من صحب ، تبركا و طلبا للمدد الفائض الذي سرى في النبوة و آل بيت النبوة و ذريتها.
وقد يكون البلد في إشارة أخرى ، القلب و ممكلته ، فإن صلح القلب صلح الجسد كله.أو عرش الله تعالى في قلب عبده ، فلم تسعه الأرض و السموات ، ووسعه قلب عبد العارف.
وقد يكون البلد كل بلد حلت فيه بركة صاحب الوقت من أهل المكان ، فمهما بعد عن البيت الحرام ، كان بيت الحرام هو قلبه ، ومدده روحه ، وحكمته عقله الذي يتلقى حقاق الإيمان عن القلب المرحوم بالله.
لكن رغم وجود البلد الحرام ، وحلول الجسد الكريم المطهر مولانا صلى الله عليه وسلم ، و انتشار و استمرار المدد الفائض مع آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهي حقائق ماثلة مستمرة عبر الأزمان ، ترافق هذه الحقائق الإلهية ، حقيقة ساطعة البيان ، أن الإنسان رغم هذه الآلاء و النعم ، يظل في كبد ، ومن أين تأتى له هذا الكبد !.
وهنا قد يستغرب الإنسان مما هو فيه ن لم يظل هذا الأنعام غيبا ، و لاينال كل عبد معرفة بخالقه ، فيسعد في الدارين.
في فوضى الحواس ، تكتب اغلب المذاهب ،لاتعرف في تفسيرها لظواهر الإنسان حدودا.يأبى المستكنفون عن حقائق الوحي أن تقيد حواس الإنسان بنوع من القيود.و في ثوراثهم المعرفية على جميع الأصعدة ترى الإنسان تحكمه الحاجة إلى الجنس فتعم الفوضى الجنسية ، و إلى المال فتتحكم فيه دواعي السيطرة و الغلبة ثم البحث عن السوق و حساب السوق فلا ضير في استعباد غيره ، وإلى العلم فيفصم عن عقله كل توجيه أو تفسير للظواهر بعلوم غيبية ، و إلى القوة فلا سبيل إليها إلا بعنف جاهلي وظن جاهلي و حمية جاهلية.
في هذه الفوضى ، انهارت قيمه في الحربين العالميتين ، و لم يسترح العالم من العنف و العنف المضاد ، ومن أزمة اقتصادية إلى أزمات أشد ، عنوان الجشع وقيم السوق و رأسمال السوق.
أما حاجة الإنسان ، و استقلال الإنسان عن كل وحي يخبره مامآله بعد الموت ، يقف الإنسان خائر القوى لاعلمه يغنيه ليستوى على قيمة أجمل ، و لابطشه يمنعه من عذاب الله و مكر الله و تدبير الله و قدر الله.
ويستشرف العاقلين منهم أي نور أو وهدة من علم ، لعلهم يجدون منبعا أو سبيلا لطمأنينة للروح و عقل الإنسان الغربي. فيولون وجوههم نحو أهل الإسلام ، فيرى الذل و الخنوع ، وتسلط العدوان الداخلي على أهل الدعوة ، فلاتسمع في صخب الإعلام إلا دعاة العنف المضاد المسمى ظلما و عدوانا جهادا.
لا يسمع الغرب نداء أهل الدعوة إلا لغياب نموذج يتبعونه.فإن غاب النموذج بطل البحث لمضيعة الوقت مع قوم هم متنكرون لحقائق الوحي.
هذا الكبد الذي يتكبده الإنسان و لسنا في منأى عنه ما دمنا نصطلي مثلهم بجهلنا لمنهاج السلوك و العلم ، ولغياب الإرادة الحية من أجل التغيير ، أن يسعى أهل الدعوة في رفع الكبد الممزوج بالفقر ، و الكدح المملوء بالحيرة ، و بالفوضى إلى معنى النظام ، أن يعلم أهل الدعوة أن حواس الإنسان مقيدة بآداب و أوامر ونواهي وزواجر ، و أن الله أنعم علينا بالعين و اللسان و العقل لوظيفة الأمانة ، و أن أمانة اتباع الوحي أول الأمانات.
ألم نجعل له عينين و لسانا و شفتين و هديناه النجذين فلا اقتحم العقبة ، سورة البلد.
لا تعترف العين إلا بما تراه من المحسوسات ، فكيف ستبصر بعين بصيرة القلب حقائق الوحي ؟
و لا ينطق اللسان عند الغفلة إلا بجهالة عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، و خصوصا من هم من الأعراب لم يذوقوا طعم الإيمان و إن كان اسمه يقعقع له بالشنان في عالم الإنسان!!!!!.
و لا تعرف يد الإنسان إلا البطش ، فكيف تتحول سواعده و إرادته إلى عوامل البناء الفاعل الكامل المنتج لخير الإنسان.
كيف نقتحم عقبات الفقر ، و ايواء المظلومين ممن يكتوون بنار العدوان الداخلي ، إن تكن هناك استجابة لنداء الله ؟.
(..لا نمل من التوكيد على أن الإسلام مصدر فعل "أسلم"، فالإسلام فعل من العبد، علاقة بينه وبين ربه، استجابة لنداء، حركة مستمرة. ويزداد إقبال العبد على ربه فيتميز فعله، وتزداد علاقته بربه متانة، وتكتسي حياته كلها معاني الاستجابة لداعي الله، وتنضبط حركته بأمر الله سبحانه لمولاه فيحسن فعله، وتكون كل علاقة له بالكون فرعا عن علاقته بربه، وتكتمل استجابته له فإذا هو حي القلب، ويكون التقرب إلى الله عز وجل دافعه الدائم، فإذا هو على معراج الإحسان.
يتفاوت عباد الله من فرد لفرد في الاستعداد للترفي وفي خصال القلب والعقل، فيتفاوت سلوكهم. أما حزب الله المخاطب بالقرآن في قوله تعالى "يا أيها الذين آمنوا" افعلوا ولا تفعلوا فالمفروض أنه جماعة يتمثل فيها الإيمان الذي هو مناط التكليف بحمل الأمانة الجماعية. فلا ينتظر من جماعة "مؤهلها" لا يتجاوز مرتبة الإسلام أن تقدر على حمل تلك الأمانة. وفي طريق الصعود على معراج الإيمان والإحسان صعوبات، ليس ذلك الطريق سهلا. لا ولا يخاطب به إلا كل شديد شجاع سامي الهمة، وكل جماعة شديدة الشكيمة ماضية العزم.
ذكر الله سبحانه وتعالى الإنسان في سورة البلد المكية، وذكر تعبه في الدنيا مادام بعيدا عن ربه، وذكر نعمه عليه وما أودعه من طاقات، وما بعث إليه من رسل يهدونه، وما فطره عليه من استعداد. ثم خاطبه مخبرا محرضا: "فلا اقتحم العقبة !" لا هنا للنفي والاستنكار، فيكون المعنى: مع كل تلك النعم، ومع الهداية التي تخيره بين نجدي السعادة والشقاء لم يقتحم العقبة المؤدية لسعادته. أو تكون لا للعرض والتحريض فيكون المعنى: هلا اقتحم العقبة ؟
وبكلا المعنين فهو نداء مؤكد من الله عز وجل للإنسان أن يسلك إلى ربه السبيل. إلى ماذا يشير لفظ النداء ؟ ... ماذا تحمل العبارة "اقتحم العقبة" من مواصفات في "الذات" وفي "الموضوع" الذي هو الطريق ؟ قال الراغب الأصفهاني رحمه الله في كتاب "مفردات ألفاظ القرآن": "الاقتحام توسط شدة مخيفة" وقال: "العقبة طريق وعر في الجبل"
فها هي الألفاظ تعطينا دلالة على أن الاقتحام دخول شجاع في شدائد، على أنه منابذة للخوف، بل هجوم على ما يخيف الجبناء، وعلى أن الطريق صاعدة لكن في وعورة. بعبارة أخرى فإن العبارة تصور لنا الخصال النفسية القلبية العقلية عند المدعوين للاقتحام كما تصور طبيعة المسلك الموضوعية. وهي قبل كل شيء دعوة صادرة من اللّه عز وجل، فالاستجابة لا تتخذ معناها من خصال المقتحم ولا من وعورة المسلك، لكن من كونها تلبية لنداء الحق.)<2>.
نسال الله تعالى أن يرحمنا آمين